[26]الفصل الأخير

1.2K 126 78
                                    

رغم حطام قلبك، يوما ما سيزهر الحب فيه و يرممه"

فيودور دوستويفسكي

******

تعانقت أجراسُ المقهى بصخبٍ عندما دفعت ايمي الباب للدخول حاملةً بيدها كتابا ضخما، تنهّدت بإنزعاجٍ بعدما رفعت بصرها إليها و لأول مرةٍ فكّرت في قلعِها تماماً بسبب الجلبة التي كانت تُحدثها كلما ولج شخص ما.

و هي تلتحفُ تلك الملامحَ المتجهّمة ندّت عن ثغرها إبتسامةٌ إلزامية حين وقعت نظراتها على ذلك الشابّ ذو الجسدِ الرياضي الذي أضحى يتردّد على المقهى كثيراً في الآونة الأخيرة. كان جالسا على إحدى الطاولاتِ المقابلة يطالعُ كتاباً جديدا هذه المرة، أخذ وقتاً مستقطعا ليبتسم لها ثم عاد لينغمس مجددا في القراءة.

كان أولّ انطباعٍ أخذتهُ عنهُ إيمي عندما أتى أول مرّة أنه ذلك النوعُ المغرور من الشبّان الذين يتحيّنون الفرص للخوضِ في شجاراتٍ عشوائية لإبراز عضلاتهم الضخمة لكن اتّضح أنه أبعدُ ما يكون من ذلك، مجرّد شابٍ هادئ يهوى مطالعة الكتب.

نفضت عن رأسها تلك الأفكار الصباحية الثملة ثمّ ذكّرت نفسها أنها خلال رحلة عملها في هذا المقهى تعلّمت أنه لا ينبغي عليها الحكم على الناس من مظاهرهم بتاتًا، فمن يبدو هادئًا قد يتّضحُ أنهُ أخبَلٌ تماما و عكسُ ذلك أيضا.

حثّت الخطى نحو المطبخِ الخلفي أين وجدت والدتها تخرج صينيةَ كعكٍ من الفرن و قد بدت متعجّلة. خلعت هذه الأخيرةُ مريول المطبخ مباشرة ما إن رأتها و سلّمتها إياهُ ثمّ همّت بتعديلِ شكلها في المرآة الجدارية قبل أن تلتفت نحوها و تهمس:

"آسفةٌ على مقاطعة دراستكِ عزيزتي لكنّ الأمر طارئٌ كما أخبرتكِ على الهاتف...لن أتأخر سأعودُ سريعًا.."

أومأت ايمي برأسها مبتسمة ثم رفعت يدها لتلوح لوالدتها التي اندفعت سريعا ثم وقفت أمام البابِ الخارجي لتوديعها. لم تكن في الحقيقة قد ولجت المقهى منذ وقتٍ طويل، أسبوعين تقريباً، لأنها كانت منشغلة بالتحضير لمذكّرة تخرّجها، لم تكن تبارح المنزل مطلقا، لذلك وجدت في هذه الفرصةِ متنفّسًا لها، حتى و إن لم تنادِها والدتها كانت لتأتي حتمًا لتناول كوب قهوةٍ ثقيل و تقلّب صفحتين أو ثلاثاً من روايتها التي أهملتها طويلاً.

لم يكن في المقهى غيرها هي و ذلك الشابّ لذلك لم تمتلك أيّ عملٍ تقوم به،إضافةً إلى كون الوقتِ مبكراً بعض الشيء و ذورةُ اكتظاظِ المقهى كانت تحينُ بعد العاشرة، و الساعةُ الآن التاسعةُ و دقيقتان فقط.

توجّهت صوب آلة القهوة و صنعت لها كوباً ضخماً قامت بنقلهِ إلى طاولتها الخاصة ثم جلست. استخرجت من جيبِ سترتها الخفيفة نظاراتها الطبية ثم وضّعتها على أعيُنها الذابلة قليلاً جرّاء سهرها مع الحاسوب المحمول طيلة الليلة الماضية.

مقهى السعادة(مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن