الفصل الحادي عشر

8.1K 459 99
                                    


إهداء إلى روح نسأل الله عزوجل أن يسكنها فسيح جناته .. ضحايا زلزال #سوريا، و#تركيا


الفصل الحادي عشر

(ورقة رسمية)

عقصت حول رأسها رباطة قماشية من اللون الأسود، تماشت مع ما تلفَّحت به من عباءة منزلية مماثلة، وكأنها لبست الحِداد على رحيل أحدهم، ظلت منزوية في غرفتها، تبكي ليل نهار، حتى جفت دموعها، ولم يبقَ لها إلا تجرع الألم. نظرت لها "عقيلة" بإشفاقٍ وهي تقف عند عتبة الباب، ومع ذلك لم تقوَ على مؤازرتها بالطيب من الكلام، فقد كانت مثلها متحسرة على مصابها، والأسوأ من ذلك شعورها بالخزي والعار، لكون ابنتها لن تسلم من الألسن الشامتة أو الشائعات الحاقدة، وإن كانت غير مذنبة على الإطلاق، فما أسهل إلقاء التهم الباطلة على الغير دون تحري صدقها!

اتجهت إلى باب البيت عندما سمعت الدقات عليه، زفرت الهواء الثقيل من رئتيها وهي تفتحه لتنظر إلى شقيقتها التي جاءت لزيارتها. سألتها الأخيرة دون استهلالٍ:

-"دوسة" عاملة إيه؟

أغلقت الباب بعدما ولجت للداخل، وأجابتها بنبرة مهمومة للغاية:

-زي ما هي.

استقرت "أفكار" على الأريكة، وراحت تهز جسدها يمينًا ويسارًا وهي شبه تنوح:

-كبدي عليها، لا لحقت تفرح ولا تتهنى!

شاركتها "عقيلة" نفس الندب مرددة وهي تضرب على فخذيها:

-يا ريتنا ما كنا استعجلنا ولا كتبنا الكتاب!!

ثم ركزت عينيها المنتفختين من كثرة البكاء على شقيقتها الكبرى وتابعت في صوتٍ متألم:

-نابها إيه من الجوازة دي غير إنها بقت متطلقة؟!!!

لم تنبس "أفكار" بكلمة، في حين واصلت الشقيقة الصغرى كلامها، والذي اتخذ طابعًا مهددًا:

-أنا مش هسكت، حق بنتي مش هسيبه!

دون تفكيرٍ وافقتها الرأي، وصاحت تؤيدها بشدة:

-وأنا معاكي.

عاد التحير ليسيطر على قسمات وجه "عقيلة"، وأفصحت عن ذلك بسؤالها:

-بس هنعمل إيه؟

بعد لحظاتٍ من الاستغراق في التفكير أجابتها بتصميمٍ معاند:

-احنا نطب على أخوه، هو لازمًا يتصرف، مش هنسيبه غير لما تاخد كل حقوقها، هي مش سايبة!!

.............................................

ظل شاردًا، صامتًا، غير مكترث بالمشاركة في أي شيء يخص المؤتمر الذي من المفترض أن يكون أحد محاضريه الرئيسيين، انعزل بنفسه عن نفسه وكأنه قد انفصل ذهنيًا عن العالم المحيط به، حتى أنه اختار المكوث بعيدًا عن الصفوف الأمامية ليحظى بنوعٍ من الخصوصية، لعل وعسى يتمكن من فك الأحجية التي حيرته كثيرًا، وجعلته شبه فاقد للتركيز فيما يفعل. كذلك ليلة الأمس الجامحة لم تمنحه ما طمح في الشعور به من الاكتفاء والرضا، بل جعلته يزداد رغبة وتلهفًا في الحصول على هذه الطريدة الهاربة بالتحديد، والإيقاع بها مهما تكلف الأمر، فأنى له أن يقبل بالخسارة هكذا ببساطة؟!

رحلة الآثام - الجزء السابع - سلسلة الذئاب -كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن