الفصل العشرون

7.5K 399 44
                                    


نذكركم أن فاعليات معرض تونس للكتاب لا تزال مستمرة معكم حتى 7 مايو ..

تتوافر رواياتي الورقية في جناحنا إبداع بالمعرض

>>>>>>>

ما طواه التامور وطمره


الفصل العشرون

(وضاع العمر هباءً)

جلست على طرف الفراش حينما انتهت من ارتداء قميصها المنزلي، شدته للأسفل لتضبطه على جسدها، وراحت تزرر فتحة الصدر، قبل أن تمد يدها وتمسك بمنديل رأسها لتلفه حول شعرها الذي ما زال رطبًا من استحمامها. حانت من "فردوس" نظرة جانبية نحو زوجها المستلقي على الجانب الآخر من السرير، ويوليها ظهره مستغرقًا في نومه. لم يكن ما يجمعهما معًا هو الحب، إنما الظروف العصيبة التي فرضت على كليهما، ورغم مُضي ما يزيد عن خمس سنوات على زواجهما إلا أنها لم تنجذب إليه بشدةٍ مثلما أوهمها الجميع، كان ما بينهما روتينيًا، فاترًا، يميل لقضاء الواجب عنه للشغف والوله.

حادثت نفسها في سقمٍ، وتكشيرة كبيرة تجتاح وجهها:

-خليك كده نايم يا "عوض"، ده اللي بقيت باخده منك، تيجي تنام، وطول الوقت برا!

حتى حلمها بالحمل، والإنجاب كان متعذرًا، فكيف يحدث ذلك وقلما يحظيان بليلة حميمية عاصفة تندلع فيها شرارات الرغبة والهيام؟!

تركت خواطرها المؤرقات جانبًا، ونهضت بتكاسلٍ عن الفراش، ثم سارت بخطواتٍ خفيفة حذرة نحو باب الغرفة، ألقت نظرة أخيرة على زوجها، قبل أن تخرج من الحجرة، لتوارب الباب خلفها. واصلت مشيها الحثيث تجاه الغرفة الصغرى الماكثة بها والدتها، كانت الأخيرة تنام على جنبها، لا تتحرك، فمنذ الأخبار المشؤومة التي تلقتها بشأن فصل ابنتها البكرية من عملها، وانقطاع كامل أخبارها عنها أصابها الإعياء والمرض. زهدت الحياة، وأصبحت متعلقة بأملٍ واحد فقط، ربما لن يتحقق؛ لكنها تشبثت به، ألا وهو رؤية الابنة الغائبة!

تأملتها من عند عتبة الباب، وجهها أصبح تعيسًا، ذابلًا، زاره المرض كضيف مقيم لا عابر، وحفر آثاره عليه، حز في قلبها رؤيتها تنزوي يومًا بعد يوم بسبب أوهامها الواهية، حتى الكلام انقطعت عنه، وبات من النادر سماع صوتها. مرة ثانية زفرت "فردوس" الهواء الثقيل من رئتيها قبل أن تتقدم تجاهها لتتفقدها، انحنت عليها لتقبلها من رأسها، ابتسمت لرؤيتها يقظة، وخاطبتها في صوتٍ خفيض:

-عاملة إيه النهاردة يامه؟

ابتسمت "عقيلة" بسمة باهتة، فارتضت بها ابنتها، ثم مسحت بيدها على وجنتها في رفقٍ، وأكملت سؤالها لها وهي تسحب الغطاء عليها لتغطيها:

رحلة الآثام - الجزء السابع - سلسلة الذئاب -كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن