الفصل التاسع والعشرون

6.5K 351 25
                                    


الفصل التاسع والعشرون

(كُتب عليها الفراق)

أزاحت برقةٍ طرف الستارة البيضاء المنسدلة على زجاج الشرفة، لتتأمل الحديقة المورقة أمامها، لفت أنظارها ذلك الصغير الذي كان يركض بتعجلٍ في الأنحاء، وعلى وجهه تكشيرة عظيمة، تعلقت عيناها به إلى أن اختفى عن مدى بصرها، أصاب بدنها نفضة صغيرة عندما سمعت صوتًا مألوفًا يأتي من خلفها ليخاطبها بترحيبٍ حار:

-شرفتي بيتي المتواضع يا "ناريمان" هانم، ولو إني زعلان إن "شوقي" بيه مجاش بنفسه.

استدارت لتنظر إليه، وخاطبته في لطافةٍ مماثلة لها:

-كلك ذوق، هو بابي مشغول، وإلا مكانش بعتني!

ابتسم في تهذيبٍ، وعلق بتغزلٍ عفيف وهو يدنو من موضع وقوفها:

-ده عشان حظي الحلو.

تجاوزت عن تلميحه المتواري، معتبرة إياه مجرد إطراء تقليدي، وسألته في قدرٍ من الاهتمام بعدما تحركت مبتعدة لتجلس على الأريكة الجلدية:

-إنت ناوي تستقر هنا خلاص؟

لم يعطها ردًا قاطعًا حينما أجابها، وهو يجلس مجاورًا لها:

-على حسب الوضع والظروف.

استرعى ذلك فضولها، فانتقلت لسؤالها التالي:

-وأملاك العيلة؟

جاء رده بسيطًا ومباشرًا:

-"سامي" هيتولى المسئولية، وأنا واثق إنه هينجح.

مطت فمها للحظةٍ، ثم أخبرته بهدوءٍ، وهذه النظرة المتشككة تطل من عينيها:

-مع إن في كلام تاني كنت سمعاه بيقول العكس.

تغاضى عن التورية الخفية في كلامها عن وجود خلافات سابقة بين الشقيقين، ورد بدبلوماسية جيدة:

-الناس مابتبطلش كلام، المهم الأفعال في النهاية.

أعجبها رده الاحترافي، ووافقته قائلة:

-معاك حق.

في نعومة ظاهرة على تصرفاتها، أخرجت من حقيبة يدها الصغيرة علبة سجائرها الذهبية، التقطت واحدة، ووضعتها بين شفتيها، فراح "مهاب" يميل ناحيتها بعدما أخرج ولاعته من سترته ليشعلها لها. أخذت "ناريمان" نفسًا سريعًا، وحررته مثلما استنشقته، لتسأله:

-صحيح، ده ابنك اللي شوفته في الجنينة؟

لاحت ابتسامة لبقة على محياه وهو يرد:

-أيوه، "أوس".

رفعت حاجبها للأعلى، وتابعت:

-فيه شبه منك.

رحلة الآثام - الجزء السابع - سلسلة الذئاب -كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن