قبل ما يزيد عن ثلاثة عقودٍ وبضعة أشهر...
>>
>>
الفصل الأول
(نقطة البداية)
زفرت بتأففٍ وأصوات الهمهمات المتداخلة تحاصرها من كل جانب، فحال ذلك دون حصولها على القدر الكافي من التركيز لإتمام عملها العالق. شملت من حولها بنظرة منزعجة، قبل أن تزفر من جديد واليأس مستبد بها. لم يكن هناك أدنى بد من محاولة الاندماج مع ما يحيط بها، لذا سدت "نهاد" أذنها اليسرى بيدها، وواصلت تبديل الشرائح الصغيرة بعد تدوين ملحوظاتٍ صغيرة مقتضبة.
مضت عليها بضعة دقائق وهي على نفس الحال، قبل أن ترفع نظراتها المدققة عن الميكروسكوب الموضوع على المنضدة المعدنية أمامها، بمجرد أن سمعت وقع أقدامٍ تقترب منها، عندئذ نهضت واقفة من على كرسيها الخشبي، وتحركت من موضعها تجاه رفيقتها التي قد عادت لتوها من الخارج. رمقتها بنظرة ضيقة تعكس انزعاجها قبل أن تستطرد معاتبة:
-كل ده يا "تهاني"؟ إنتي اتأخرتي جدًا.
تأملت البلاط الأبيض الباهت المغلف لجدران المعمل، وما يعلوه من سقفٍ تشقق معظم طلائه باشمئزازٍ، ثم أخبرتها:
-ما الدنيا زحمة، والإجراءات صعبة، يدوب عقبال ما خلصت.
جذبتها من ذراعها نحو منضدة عملها، وسألتها بصوتٍ خافت نسبيًا:
-برضوه مصممة على اللي في دماغك؟
لم تبدُ "تهاني" مكترثة بمن حولها وهي تؤكد عليها:
-أه طبعًا، المستقبل عمره ما هيكون هنا، بين الأربع حيطان دول.
ظلت "نهاد" على حيطتها وهي تسألها باستنكارٍ محسوسٍ في نبرتها:
-ليه بتقولي كده؟ بالعكس مع الوقت هيتحسن الوضع، وفرصتك آ...
قاطعتها قبل أن تتم جملتها هاتفة في تحفزٍ:
-فرصتي هتضيع مني لو معملتش كده.
تقلصت المسافة ما بين حاجبي رفيقتها وهي تسألها مستفهمة:
-وإنتي تضمني منين إنك تنجحي برا؟
غامت ملامح وجه "تهاني" بشكلٍ ملحوظ، وانعكس الضيق على نظراتها إليها، حاولت صديقتها تلطيف ما نطق به لسانها بترديدها:
-أنا مش قصدي أزعلك، بس احنا فاهمين كويس اللي هيحصل، إنتي بطلوع الروح اسمك اتحط وسط اللي رايحين البعثة.
رفعت "تهاني" يدها لتسوي ما نفر من مقدمة شعرها المعقود كذيل حصانٍ، وعلقت في استياءٍ ظاهر على صوتها:
أنت تقرأ
رحلة الآثام - الجزء السابع - سلسلة الذئاب -كاملة
Romansaالجزء السابع من سلسلة الذئاب .. -البداية- ما قبل اللقاء .. ملحوظة يمكن متابعة هذا الجزء منفردًا دون الحاجة لقراءة ما سبق .. فنقطة البداية (ما لم يسرد بين السطور) ستكون من هنا مواعيد النشر الجمعة والثلاثاء من كل أسبوع. في تمام العاشرة مساءً .. قد ي...