خلال الأيام الفائتة جربت إيمار تحت إشراف صديقتها الكثير من الأشياء التي أثارت فضولها، ابتداء بالحياكة وحتى البيع.
علماً أنّها قد شاركت الكبرى في إقامة إحدى صلواتها، كان ذلك منذ يومين، ولكنّها فضلت لاحقاً أن تختلي بمجموعة الكتب المصوّرة المهداة إليها من قبل أحمد منتظرة المرأة الكبرى ريثما تفرغ من أعمالها وعباداتها متجنّبة ما أمكنها ذلك أن تعيقها بقصد أم بعدمه.
-
في اليوم الثالث لتواجد إيمار في بيت العائلة، ظهر أحمد وحيداً في وقت مغاير لما اعتاده مسبقاً، وكان متعمداً ذلك بقصد ايعاز والدته بما تحصّل عليه من معلومات تفيد بأن والد صديقه المفضّل قد تملّك محظية جديدة مؤخراً، اعتقد الشاب أنّها ربما تكون فقيدتها ذاتها...
ورغم أن البشارة غير جيدة أو حتى مؤكدة، فقد سعدت بها أم أحمد أيّما سعادة.
بصمت أُعجبت إيمار بعلاقة هذه الأم مع وحيدها، وتمنّت بصدق أن تربطها علاقة مشابهة مع طفلها الخاص يوماً ما.
فأي رابطة أوثق من واحدة مترفّعة عن الأسرار والخبايا، عميقة بعيدة بما يكفي عن أي قشور سطحية لا معنى لها؟.
سكت الشاب ووالدته عن الكلام حينما لحظت أعينهما ابتسامة ضيفتهما.
«هل شاهد رفيقك المحظية إياها؟» بعد برهة من التردد، أفصحت أم أحمد عن تساؤلها لابنها الذي أومأ يحثّها على المضيّ فيما تريد قوله، وإذ طلبت أن يهيّئ لها ميعاداً للقاء صديقه هو تمنّى خيراً غير مبطّنٍ توجسه من الأمر، ولكنّه اطمأن حينما غمزتْ له تعلمه بما في حوزتها من وسائل لطالما أثبتت كفائتها في إقناع والده وحمله على موافقتها في كلّ ما تبتغيه.
-
في اليوم التالي استقبل الأب وابنه صديق الأخير - والذي تعود عائلته إلى طبقة مجتمعية تفوقهم منزلة- على مائدة الغداء الشهية من إعداد أم أحمد.
بينما تناولت الامرأتان وجبتهما لهذا اليوم في حجرة أخرى.
إبان مغادرته قابل الضيف السيدة من وراء ستار واستمع إلى أوصاف فقيدتها تتلوها عليه مع أمل استشعره في نبرتها، ولكم سعد حينما لحظ حبورها نتيجة لإجابته المطمئنة.
احتار الزوج مما حلّ بزوجته تبعاً لبشارة بسيطة كتلك. أحقاً لا تدري أنها قد لا تراها مجدداً ولو شربتا من نبع واحد؟
تحفظ الرجل على استفساراته مكتفياً بالتبّسم مستنشقاً عبق الفرح من صدر أليفته؛ حامداً شاكراً إزاء عدوى حميدة وحده من حظي بها...
-
استجابت إيمار لطرقات لطيفة تلقّاها باب المنزل صباحاً، لترى فتاة بهية الهيأة أنيقتها، تنافس أريجها الحسن مع رقّة صوتها وأناقة حديثها على ذات السوية الرفيعة، عرّفت بنفسها أنها تكون شقيقة الشاب الذي حدّثته أم أحمد إلبارحة، ورداً على اقتراحها الوساطة بين الصديقتين جذبتها سيدة المنزل إلى عناق حارّ تبدي من خلاله جزءاً بسيطاً مما ينطوي عليه قلبها من امتنان قوبل بابتسامة عفوية من الجميلة المدعوّة يمامة.
لم تطل اليمامة زيارتها الأولى وهمّت بالمغادرة سريعاً متعهدة للأجنبية بخمار مطابق لما تضعه الآن لما رأته في عينيها من انبهار لطيف فشلت مُصدرته في مداراته رغم جدّية محاولتها.
«عليّ الرحيل، ظريفة تنتظرني والجو حار عليها في الخارج»
فقط بالنظر إلى المتعذّرة تمكنت الاثنتان من التماس صدق قلقها فكفتا عن الإلحاح، ولكنّهما حارتا في أمرها؛ أكان لزاماً عليها أن تترك خادمتها في عرض الطريق؟.
زال الارتياب عن قلبيهما كما جاء، فتسمّرتا خلف الباب المفتوح تراقبان الفتاة تعتدل فوق ظهر فرسها رهيفة القوام تلاطف عنقها قليلاً وتسايرها بكلمات لم تصلهما وبعض القهقهات العفوية غير المتكتّمة قبل حثّها على الحركة، غير غافلة عن التلويح للشاهدتين المبهورتين.
ما أن عادت الامرأتان وحيدتان مجدداً حتى صارحت أم أحمد ضيفتها بما توارد إلى ذهنها ومفاده أنّ عليهما طلب المساعدة من الفتاة المرحة في استعادة ما سلب مسبقاً من الغريبة نظراً لمكانة عائلتها في المجتمع من جهة، وشخصيتها الودودة المتواضعة من جهة أخرى.
-
أنت تقرأ
أنفاسُ دجلة
Historical Fictionبقلمي: ꪜꪖ᥅᥅ꪗ تاريخية اجتماعية التصنيف العمري: +16. قصدت الأجنبية ‹إيمار› أرض العباسيين سائلةً المساعدة. بوصولها تغيّرت الكثير من الأشياء بالنسبة لمدينة بغداد ولأهلها. مكتوبة بإضاءة من مسابقة سامراء من حساب الأدب الكلاسيكي العربي، لكنها -لعدة ظروف...