(مساء الخير، أم أنّها صباح الخير الآن؟ هل تفتقدني؟.)
خطّتْ أنامل إيمار هذه الكلمات على الورقة الثخينة أمامها، وبينما تمنح الحبر ما يلزمه من وقت لأن يُجَفّ أخذت تفكّر فيما ستدوّنه تالياً.
على كتابها هذا أن يكون مرضياً لمَن ستودعهُ إيّاه.
وعليه فإنّ ما ستهدره في سبيل غايتها هذه من وقت -مهما كبر أو صغر- فهو يستحقّ وليس بضائع منها سدى...
شزراً وقعت عينها على القلادة المتدلية من عنقها، فابتسمت برضى سامحةً لكفّها بأن يحتضن المعدن البارد بلطف، قبل أن تلتقط ريشتها مجدداً تشرع في سرد ما تبادر إلى ذهنها وتظنّه سيلائم غرضها.
(...حينما تيقّنت أمي من وجودي أشاركها جسدها والحياة، رتّبت زهوراً عطرية تحبّها في باقتين متماثلتين مقررة أنّ علينا سوياً البوح بما تحمله من بشارة تظن أنّ والدي سيفرح بها أنّى حلّ منذ شهر ونيّف. وكان ما فعلته حتى تلك اللحظه اعتيادياً، ولكن ما جاء منها تالياً قد سما بها عالياً، مترفّعة به في عيني عن نساء العالمين.
هل تحافظ على هبتي جيداً؟ ستفعل لأنك تجيد الاعتناء بالهبات...
حسن، كنت أمزح. الآن سأخبرك بقصة هذه الهبة.
هناك في وطني، قد غرس الإله جبلاً، جمّله بما فتنكَ من معدن، ولأجيال ترتّب على الرجل الموعود بمولود قريب أن يتسلّق الراسي شاهق الارتفاع إيّاه، فيقضي أياماً معدودات في أعلى قمته؛ هناك حيث سيعمل على أوّل هدية مقدر للطفل القادم أن يحظى بها.
كما توقعت، هديتي الأولى هي ما أعتقد أنّك تحمله الآن معملاً عينيك الساحرتين في تأمله.
بطبيعة الحال، مَن لم يُضَمّ إلى صدر والده إبّان صرخته الأولى، فقد تخطّى الهدية؛ ولكني حصلت عليها كما ترى! كانت مقدّمة من عطوفة أبَت أن تحرم مولودتها الوحيدة من صنيعها الأثمن أبداً؛ والتي أصرّت حتى الرمق الأخير أنّها شكّلته في جوّ من الأمان كفلته روح أحبّتها يوماً ولم تمل التوق إلى لقياها مهما كبرت المسافة وتصدّع لأجلها النفس والفؤاد.)
استقامت الفتاة تاركة نواة كتابها لتُجَف ويختمر فحواها بأناة وبلا عجلة لا طائل من ورائها، في أثناء ذلك هي أعادت ما استعارته كلّ إلى موضعه، متوقعة عودة مالكة المنزل في أي لحظة.
وكان هذا ما ذيّلت به صفحتها: (ألم تُحزنك هيأة قصتي الأولى؟ أتطلع لأن تزيّنها وتمنحها صياغة جديدة بأسلوبك البديع، وكذا ما سيلحقها من حكايات).
وعوضاً عن أم أحمد، كانت الوافدة هي يمامة؛ أليفتها المستجدة، والمحمّلة -كما اعتادت- بالكثير من الاعتذارات؛ منها ما تخصها ومنها ما هي بالنيابة عن أخيها.
إزاء طيبة الفتاة وتوأمها لطالما وقفت الأجنبية عاجزة محتارة أَنْ لماذا يحمّلان نفسيهما ذنب واجب قد تقلّّداه تطوّعاً؟ ومهما بذلت من جهد في تبيان أنّ البحث عن منتشل ممتلكاتها وأماناتها ليس فرضاً ملزماً على عاتقيهما؛ لم تأتي معهما بأي نتيجة.
فما كان منها إلّا أن استسلمت مكتفية بالسخرية من الفتاة حينما تلقّب هذه الأخيرة شقيقها ب'رأس الصخرة' متجاهلةً أنّ لديهما ذات المَلَكة المشينة.
بصعوبة صدّت إيمار الفضولية الصغيرة مخبئة أوراقها عنها.
غير أنّها لم تنجح سوى بغفلة منها، كان ذلك حينما هبّت مسرعة لغرض عرضي، فقفزت قلادتها مميزة المظهر بعيداً عن صدرها جاذبة فضول اليمامة بعيداً عن مستقرّه الأوّل.
-
لسا في فصل جاهز بس لازم انقله من الورق للموبايل.
وبعدين بقا بتصف بالدور مع اخواتها اللي ناطرين حنّ عليهم واكتب فيهم من قرن 🌝
-
أنت تقرأ
أنفاسُ دجلة
Historical Fictionبقلمي: ꪜꪖ᥅᥅ꪗ تاريخية اجتماعية التصنيف العمري: +16. قصدت الأجنبية ‹إيمار› أرض العباسيين سائلةً المساعدة. بوصولها تغيّرت الكثير من الأشياء بالنسبة لمدينة بغداد ولأهلها. مكتوبة بإضاءة من مسابقة سامراء من حساب الأدب الكلاسيكي العربي، لكنها -لعدة ظروف...