على وسادة معطرة ينامُ صبيّ صغير، أنامله متمسّكة بالغطاء بالقوة التي يسمح له بها جسده المحموم، خصلاته الأمامية مبلّلة بأثر قطعة القماش الملتصقة بجبهته العريضة، وعلى ذات الفراش سهَت سيدة في منتصف العمر، عنقها مائل إلى يمين خافق الصبيّ ذي الإيقاع المتوتر، ويدها مستريحة على صدره، أناملها متجعدة من ملامسة المياه لفترة طويلة ليلة إلبارحة، ووجها شاحب بفعل القلق.
دلف إلى الخيمة شيخ طاعن في السّنّ، قبضته الضّعيفة تمسك بعصاه المصقولة جيدًا والموشّاة بخطوط دقيقة من ماء الذّهب ارتسمت بخطّ كوفي أنيق على الخشب مشكّلة عبارات جميلة الهيئة، ملامحها لا تكاد تتضح من بعيد، وإذا ما اقتربت، قرأتْ عيناك: ‹سيّد الدّواء وشيخ المعلّمين›. وهي عبارة كُتبت على سبيل التّعريف بالمنزلة الرّفيعة التي يملكها صاحب العُكّاز.
«بشّري يا هِند؟» حينما تنبّه للحركة الطّفيفة التي أبدتها المرأة استجابةً لوجوده، باشر في سؤالها عن حال الولد.
«إنّه يتماثل للشّفاء يا معلّمي». بنبرة جدّيّة قالت المرأة، ثمّ استوَت واقفةً فعدّلت الغطاء على جسد النّائم وأبدلت كمادته.
فيما تحرّك المُسنّ نحو وسادة منجّدة، ألقى بعكازه على مقربة منه، واضجع ملاحقًا هيئة السّيدة بعينيه.
ولم يكسر صمت المكان سوى دبيبُ الأقدام على السّجادة الأرضيّة ومواء خافت قادم من الخارج.
في النّهاية هي اقتربت من الرّجل فجثت أمامه وتساءلت بصوت خرج محتقنًا فاضحًا دموعًا حجزتها طويلًا في مقلتيها: «هل ستسمح له بأخذ الولد حقًا؟».
اعتدل الرّجل في مجلسه واحتوى محدّثته بذراعه فقرّبها إليه وأسندَ رأسها على فخذه، وراح يمسح وجهها بيده بعد أن رطّبها من وعاء كان مجاورًا له.
«ما رأيك ألا تبعث رائحته على السّكينة؟ وجدته في الأمس بينما كنت أتجول في مدارِ الواحة».
قال ملاطفًا ثم استرسل في الشّرح عن العشبة ذات العِطر المهدّئ، ذاتها ما عطَّر بها وسادة الصّبي صباحًا حينما خرجت السّيدة به وساعدته ليقضي حاجته ويستحمّ مزيلًا آثار مرض ألمّ به منذ فترة ولّما يبرأ منه تمامًا بعد.
أطبقت المرأة جفنيها في سكينة، كانت لأنامل زوجها تأثير سحريّ عليها، ما أن يلمسها حتى تنتظم أفكارها ويصفو ذهنها.
للقلق سلطانٌ قويّ عليها، تغذّيه الظّنون وتُشعله الهواجس، فتتقد في بدنها نيران تنعكس في عينيها، ولكنّه يتقهقر وينسحب صاغرًا ببضع لمسات حانية!.
لطالما جادلها الزّوج أنّ التّأثير الإيجابيّ يأتي من الطّريقة المدروسة، ولكنّها تؤمن أنّ الحبّ فوق الطّرق جميعها.
حينما يسمع ذلك، هو فقط يبتسم، قائلًا إنّها ربما تكون محقة فيما تدّعيه.
أحسّت بقبلة ترتسم على جبهتها فاحترّ وجهها حياءً، نطقت تمازحه بغية إبعاد الشّعور المزعج: «لا أصدّق أنّك ستعرّضنا لعشبة مجهولة، فقط لأجل رائحتها... وأنتَ من علّمني أنّ أرقّ الزّهور قد تحمل السُّم في ثناياها».
أنت تقرأ
أنفاسُ دجلة
Historical Fictionبقلمي: ꪜꪖ᥅᥅ꪗ تاريخية اجتماعية التصنيف العمري: +16. قصدت الأجنبية ‹إيمار› أرض العباسيين سائلةً المساعدة. بوصولها تغيّرت الكثير من الأشياء بالنسبة لمدينة بغداد ولأهلها. مكتوبة بإضاءة من مسابقة سامراء من حساب الأدب الكلاسيكي العربي، لكنها -لعدة ظروف...