١٦

12 10 0
                                    

طرقَ هبة الله باب جناح أخته المفتوح مسبقًا وأمر وصيفاتها بالمغادرة، فلّما وجدها متجهّزة باشر في الكلام على استحياء احتارت منه اليمامة: «إن سألتكِ مطلبًا فهل ستلبيّنه لي؟».

«عهدتُك مُصّرًا على قضاء حوائجك بمفردك، فما الذي تغيّر الآن؟». تساءلت اليمامة وكانت بحاجة ماسّة إلى إجابة، لأنّ سير الحياة في منزلهم بات غريبًا عليها.

«لأنّي لا أنوي أن أظهر في الصّورة كصاحب المَطلب، وإنّما أحتاجك لتقومي بذلك عوضًا عنّي».

بصوت منخفض أجاب الشاب، واستطاعت الفتاة أنّ تلمح بوادر إلحاح في نبرته.

ولمّا سألته شقيقته ما إنّ كان في الأمر ما يسوء، نفى نفيًا قاطعًا مكملًا مطلبه: «أريدكِ أن تسألي المغنية أسرار أن تنضمّ إلينا ضمن مرافِقاتك».

«اصدقني القول يا أخي، ما الذي يجري؟» ناجَتهُ الفتاة، يربكها هدوئه وهو الذي اعتادت منه الحركة والمرح، وبالمِثل يقلقها الثوران الطّارئ على شخصية أبيها بعدما كان مضربُ مَثَل في السّكون والحِلم.

«أخشى أن تجد رجلًا أفضل في غيابي». مازحها، ورغم أنّ المُزاح خرج ثقيلًا مُحمّلًا بالخبايا، إلّا أنّها وعدتهُ خيرًا، منوّهةً إلى أن المَعنيّة قد لا تقبل بالأمر.

«إن أتعبتكِ في محاولة إقناعها، فأخبريها أنّي موافقٌ على عَرضها». قاطع الشّاب حجج أخته فما كان منها إلّا أن ابتسمت بمكر سائلةً مُزيّفةً التّعجُّب: «حسبتكَ لا تنوي أن تظهر في الصّورة!»

عَبَس متحفظًا على حقّه في الرّدّ، ثمّ استعجلها، وانصرفَ إلى حيث تركَ صديقه في غرفته الخاصّة مع بعض الأشياء المَلقيّة بإهمال أمام ناظريه لتجذبهما.

دلف هبة الله غرفته، فقابله مشهد يشابه ما خطّط له، أمامه وقف أحمد متجهّم الوجه يحمل في يديه صندوقًا بوصف مطابق لما تردّد ذِكره مرارًا على مسامعه.

«أليست هذه أمانة إيمار؟ ما الذي تفعله الأمانة في نافذتك؟». تساءل أحمد وصبره يكاد ينفذ، هو يراقب المجسّم الخشبيّ منذ نصف ساعة تقريبًا، الكثير من الأفكار تتلاطم بجنون في رأسه معيقةً إيّاه عن التّفكير السّليم.

«انطق. هل أنتَ السّارق؟!». بصوت أعلى هو تابع استفساراته.

«اقعد ولنتحدث يا أخي».

«لماذا تحادثني بهذا البرود! ما بالك أنا أستشيط غضبًا هنا! لولا أنّك على وشك الرّحيل وقد لا أراك مجددًا أبدًا لكسرتُ هذه على رأسك!». لوّح بزجاجة من الصّندوق بيده التي ترتجف كما سائر أجزاء بدنه.

«أخشى أنّك محقّ ولن تراني مجددًا». ببروده ذاته أجاب، وتلقّى نظرة لائمة في المقابل.

أنفاسُ دجلةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن