١١

11 10 0
                                    

تربّعت إيمار فوق الحصيرة الخشنة، يقيها ثوبها السميك من ملمسها المزعج، كانت منهمكة تماماً فيما تصنعه. 


استقر أمامها وعاء مجوّف حملت هي مَهمة تعبئته بقطع من الجزر مقشّرة بعناية ومقسَّمة إلى أحجام متقاربة، بينما تولّت أم أحمد أمر تقطيع البطاطا وسلقها جزئياً في ماء اللحم المعطّر بالغار والزنجبيل. 


أسرّتْ المرأة إلى ضيفتها منذ سويعات الصّباح الأولى أنّ هذا اليوم مميز بالنسبة لها، فهو آخر جمعة تسبق شهر البركات رمضان، وذاته النهار حيث اعتادت أن تتلقّى المراسيل من أهل وأحباب تفصلها عنهم صحراء قاسية حسبت يوم قطعتها طفلةً أنّها لن تنتهي... 

وتبين أنّ دوامها هو المحال، فقد خلصتْ مذّاك إلى بَرّ أصبح برّها الوحيد، وما يزال. 


طُرق الباب فاستقامت صاحبة الدار تعمّها الحماسة للوافد القادم، وكانت ورقة سميكة ملفوفة على سبيل الرسالة يحملها أب أحمد بملامح قد تكدّرت لسبب تجهله، أمَا يجب أن يسعد كما ديدنه ويباغتها بقبلة على الجبين متشدّقاً بعبارات يجيد تزييفها عن حسد يكنّه لها لما تملكه من عظيم حب وجوى في صدور أناس غادرتهم منذ عقود ولمّا ينسوها بعد؟. 


هالتها أماراته المكفهرة، وأدركتْ أن خبراً لا بدّ يسوئها في المخطوطة التي انتبهت للتو فقط أنّه يعتصرها بقهر كأنّها العدو وقد تمكن منه أخيراً فنوى تحطيمه بقوة هائلة لا يملكها. 


فكّر أب أحمد أنّ وجود ضيفتهم في هذا الوقت لهو رحمة بهم، وبخاصة بزوجته مرهفة الإحساس، فتساءل، يبتغي من الفتاة أن تعينه على مواساة زوجته بعد أن يُطلعها على خبر السوء: «هل تمانعين أن أقرأها أمام إيمار؟». 


لحظت الزوجة الغيوم الشاحبة التي تسكن عينيه، هربت أحرفها فأطرقت رأسها هنيهات قبل أن تطالبه بموجَز مختصَر عن فحواها، وكان عالماً أنّها لا تطيق ثقيلات الهموم. وإن كانت مجرد كلمات مطبوعات على الورق... 


كرفض للطلب، دعا الرجل الأنثيين إلى ديوان الدار، حيث جلس مقابلاً لهما وباشر القراءة على مسمعهما: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والسلام على أختنا العزيزة بوجه الخصوص.

باسمي واسم أسرتنا نهنئكم بقرب بلوغ الشهر الفضيل ونأمل أن نلقاكم على خير. 

أما بعد فإننا نأسف لما سنخبركم به، انتقل إلى رحمة الله تعالى والدنا الشيخ محمد بن أحمد الرمّاح، ادعوا له بالرحمة، واعلموا أننا نقدّر أوضاعكم وبعدكم، ولا نطالبكم بغير الدعاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

أخوكم أشرف بن محمد الرمّاح».

أنفاسُ دجلةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن