٧

54 24 0
                                    

للمرة الأخيرة أعادت أم أحمد شرح ما يلزم شرحه من تفصيلات؛ المهمة منها وكذا الأقل أهمية، على مسمع مَن تملّك منها الحبور، كيف لا تفعل وقد تسنّى لها بعد طول انتظار أن تطبّق بمفردها ما تعلّمته من فنون البيع.

لم تبرح المعلّمة موضعها حتى اطمأنت على تلميذتها المتهورة نسبياً، فراحت بينما تعدّل ردائها تتفقد من وافقن من جاراتها الطيبات أن تولين الفارسية المزعومة جلّ اهتمامهن، فإن تعاظم انشغال احداهنّ رافقتها الأخريات غير سامحات لضرّ أن يمسها...

اعتادت البائعات سابقاً على غياب السيدة لأسباب متعددة؛ حجة اليوم هي السائدة غالباً، ألا وهي وجوب الاطمئنان على جدة لها طريحة الفراش لم تحظى بأنسي يلطف أيامها القاسية ويرعاها في خضّم حاجاتها...

-

بخطى واثقة مشوبة ببعض الحذر - اللازم حضوره- سارت أم أحمد نحو وجهتهت، خمارها يداري هويتها، يداها تحكمان القبض على أوراقها الثمينة التي تراكمت مؤخراً لما صادفته من متاعب تفوق طاقة احتمالها.

تعمّدت المرأة أن تسلك طريقاً مزدحماً بغرض تجنّب إثارة أي انتباه غير مرغوب به، بالاستعانة بحدسها وذاكرتها جعلت من طريقها أكثر تعرّجاً وتمويهاً، تفصيل صغير لم تستطع السيطرة عليه: نظراتها الحادة المستبصرة، ولأنها تدرك عيبها هذا فهي تفضلّ اختراق الحشود الرجالية، ذلك أنّها في هذا النوع من التجمعات قلّما تصادف أعيناً فضولية قد تدأب على مراقبتها، وربما استنباط وجهتها أو أهدافها.

وهي لطالما تساءلت، أيقتحم نظائرها من جنس الذكور التجمّعات النسائية لذات الغرض؟ أم أنّهم قد نجحوا في تطوير وسائل أبسط؟

ماذا عن نظيراتها من الإناث هل فعلن أيضاً؟.

ولأن الحاجة أم الاختراع، تمنت بصدق لو أنّها كانت أشدّ حياء، ربما كانت لتجد ضالّتها أسرع، مَن يعلم؟.

-

في زقاق ما قريب من مقصدها، نزعت عنها وشاحها، لتلفّه مجدداً ولكن بطريقة مغايرة لما كان عليه في صورته الأولى، مع تعديلات بسيطة في ثوبها خرجت أخيراً راضية عن تنكّرها الجزئي والذي تدرك جيداً أنّه يفي بالغرض؛ لطالما فعل..

هل ترى جيداً؟ هيأة الحاجب مألوفة لها. 

حمدت الإله ومن ثمّ الخليفة، هذه نقطة ستجعل مهمتها تجري بسلاستها المعتاد، بجهل منها ظنّت أنها ستقابل وجهاً غريباً، وسيكون لزاماً عليها حينها أن تباشر في إجراءات التعريف من موضع سالف لا تكاد تذكره جيداً، ولكنها فقط ابتسمت بارتياح مرحبة بالرجل باعتيادية تاركة ما سيأتي على عاتقه.


«هذه خالتي وهي تملك ميعاداً مع الحكيم الخاص بأمر من أمير المؤمنين». بثقة صرّح الحاجب بكذبته المعتادة، ليتلقى همهمة متفهمة من المأمور الأعلى مرتبة يآذن لهما بالعبور نحو ممرات لا تطأها قدم غريب صاحبها إلّا لغرض مقنع.

أنفاسُ دجلةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن