وَ المسافة صِفر

6.8K 611 527
                                    

جوناثان كان يمازح السيد ألبيتي و هذا الأخير لم يتخلى عن ابتسامته لـ الآن...

غريب....
ما الذي قد يجعل من شخص مثله شديد التمسك بتلك الابتسامة...
نفسها لا تتغير في السعادة و الحزن...

ربما اقتنع أن الحزن لا يجدي؟و أنه سيدور في حلقة واحدة هي نفسها تعاد و تكرر ليعود لنفس الموقف...

أتذكر جيدا يوم سألته عن كونه أكثر شخص يتسم بالهدوء،لطيف المعشر حتى الغضب لا يجني منه مقدار ذرة...

هو حينها ابتسم و تحدث بنبرة هادئة...

'ثم ماذا بعد؟ماذا سيحدث بعد أن أغضب؟تحمر وجنتاي،يُرفع ضغطي،أقول ما سأندم عليه و أدمر أشياء لم أكن أقصد تدميرها و سيتضاعف غضبي حينما أهدء ثم أتذكر ما ألقاه فمي من كلام و أخيرا أعود لنفس المجلس،نفس الأريكة التي كنت جالسا عليها قبل الغضب هي نفسها التي سأجلس عليها بعد نوبة الانفعال...كل شيء حينها سيكون في مكانه لكنني أنا من سيكون المختلف،ثم ماذا ايميليا؟ماذا استفدت؟سأغضب و أهدأ...لم لا أختصر الأمر فقط و أقتصره على أن أظل هادئا؟'

كانت قناعاته صائبة و بها الكثير من الحكمة لكنها صعبة التطبيق و الامتثال...
العالم الخارجي قابل لاستفزازك صباح مساء كما نحن قابلون لـذلك دائما...

كنت أجهز شايا بعد أن وضعت المخبوزات في أطباق خزفية تحسبا لوصولهم في أية لحظة...
صباحا،التقيت جولييت في مخبزة السيد مونييه و قد زعمت أنني أهملها و هوارد و يجب أن أعوضهما لذا قررنا الاجتماع اليوم بفترة ما بعد الظهيرة...

إنها الثانية بعد الظهر و الأجواء فقط تتطلب مجلسا مع هوارد و جولييت و تناول مربى حلو مع مخبوزات جوناثان و القليل من الشاي...

لقد سبق و أن جهزت الأغطية ،الطعام و حتى المواضيع المفترض مناقشتها؛ رغم أنني أرشح و بشكل كبير أن جولييت قد جهزت منذ مدة ما سنتحدث بشأنه...

ربما تلك السنوات التي انسحبت بها من مكتب الجرائد جعلني أبتعد عنهم بشكل جزئي...

"ايميل أحدهم يكاد يشق الباب شطرين من شدة الطرق!"

ابتسمت بقلة حيلة على حديث جوناثان و على ما يبدو من صوت المذياع المتقطع الصادر من غرفة المعيشة فهو يحاول إصلاحه...

جففت يداي بمنديل رطب و عدلت خصلاتي الأمامية لأضغط على مقبض باب المنزل أميله ببطئ...

"أخبرتكِ أنها أثقل الكائنات ...أفعالها تتطلب صبرا و أنا لست بصبورة!"

كانت جولييت المتذمرة تتحدث ببعض السأم متخصرة تطالعني،رمقتها بشبه ابتسامة ساخرة و قد رفعت بصري نحو هوارد الذي رفع يديه ببراءة قد تمتم دون صوت..

"لا دخل لي بينكما!"

قلبت عيناي بملل ثم تراجعت خطوتين فاتحة الباب على مصراعيه...

لقاء في مارسيلياOù les histoires vivent. Découvrez maintenant