P.5

90 10 2
                                        

جلست ليان في المقعد ... دموعها تنهمر ... وذكرياتها مع البيت وأمها و ابيها ... تتوالى أمام عينيها كفيلم سريع … حاولت أن تتنفس ... وتحافظ على توازنها ... رغم قلبها الممزق … نظرت الي قصرها لآخر مره ... قبل أن تتحرك السياره و يختفي القصر من أمام عينيها ... كانت تعرف أن المرحلة القادمة ستكون مليئة بالتحديات ... وأن عليها مواجهة الحياه الجديده بعزيمة ...

باك للمدرسه~~~~~
كانت ليان تجلس بينهم بهدوء ... وعيناها تلمعان بابتسامة خفيفة تخفي وراءها حزناً عميقاً ... لم يكن في ملامحها دموع .... بل كان في ابتسامتها ما يوجع أكثر من البكاء ...
التفتت من حولها .... فرأت البنات جميعاً يمسحن دموعهن بتأثر شديد .... بينما كان أمين يطيل النظر إليها .... وعلى وجهه بدا واضحاً أنه تأثر بقصتها حتى دون أن يتكلم ....
جميلة بصوتٍ متهدّج وقالت : إحنا آسفين يا ليان … آسفين إننا فكرناكي بكل ده ....
ابتسمت ليان ابتسامة هادئة ... وهزّت رأسها قائلة : متعتذريش يا جميله … إنتو معملتوش حاجة ....

دقّ الجرس فارتجّت أروقة المدرسة ... واندفع الطلاب من الكافيتيريا إلى الفصول بخطوات متسارعة ...
جلس الجميع في أماكنهم ...
في تلك اللحظة ... فُتح باب الفصل بخطوات هادئة ... ليدخل الأستاذ يحيى ... رجل في منتصف الأربعينيات ... طويل القامة ... يضع نظارة دقيقة فوق أنفه ... وصوته يحمل مزيجاً بين الحزم والهدوء ... هو الاستاذ المسئوول عن الماده التي امتحن بها الطلاب صباح اليوم .... و دخلت خلفه الأستاذة المشرفة على الحصص ... تحمل بعض الأوراق وتبتسم ابتسامة رسمية ...
توقّف يحيى أمامهم ... وأسند الأوراق على الطاولة ... ثم نظر إليهم نظرة طويلة جعلت الهمهمات تسكت فجأة ... قال بصوت واضح : أنا شفت نتائج الامتحان … و بصراحه مخيبة للآمال بالنسبة للبعض ...
ساد صمت ثقيل ... وتبادل البعض نظرات متوترة ...
أكمل الأستاذ يحيى : زين، سفيان، إسلام … وحتى إنتِ يا لينا … درجاتكم ضعيفة جداً ... أقل بكتير من المستوى المطلوب ...
في تلك اللحظة ... ضيّقت لينا عينيها بحدة ... بينما رفع سفيان حاجبيه باستهتار وكأن الأمر لا يعنيه ... وزين تنهد و شبك أصابعه فوق الطاولة وهو يحاول أن يخفي ضيقه ...
التفت يحيى نحو الصف الآخر .... وقال بنبرة مختلفة : لكن في الناحية التانيه : ليان، ديانا، تالين … درجاتكم كانت عالية جداً ... واضح إن في التزام واهتمام ....
ابتسمت ديانا بخجل ... بينما ظلت ليان صامتة ... ابتسامتها الواثقه علي وجهها لا تفارقها ....
وازدادت غيرة لينا شيئًا فشيئًا ... ولا سيما بعدما أدركت أن مستوى الفتيات يفوق مستواها بكثير ...
اكمل الاستاذ و هو ينظر ناحيه اولجان بجديه : بالنسبه ليك يا اولجان ... مقارنه بصحابك انت مستواك احسن منهم بكتير ... بس مازالت محتاج شويه شغل ...
أومأ أولجان برأسه في هدوء ...  متعمّدًا ألّا يُظهر فرحًا كبيرًا مراعاةً لما يعتري رفاقه من ضيق ...
ثم نظر يحيى نحو المقاعد الخلفية حيث يجلس أمين وجميلة ... وقال : أما بالنسبة لك يا أمين ... وإنتِ يا جميلة … أنا سألت عن مستواكم في مدرستكم القديمة … واللي عرفته إنكم متفوقين هناك .... وده بيديني ثقة إنكم هتكونوا إضافة هنا ...
اومئ سفيان و جميله في نفس اللحظه بشكر مع ابتسامه خفيفه ....
تنحنح الأستاذ يحيى ثم وضع الأوراق على الطاولة قائلاً بجدية أكبر : السنة دي مش زي السنين اللي فاتت ... السنة دي بتحدد جامعتكم … يعني بتحدد حياتكم بعد المدرسة ...  ما فيش وقت للكسل أو التهاون ... و مش هينفع نسيب الموضوع كده ... كل واحد يذاكر علي مزاجه ..  عشان كده ... أنا والمدير قعدنا نخطط إزاي نحاول نرفع من مستواكم … ولقينا إن أحسن حل إننا نكوّن ثنائيات ...
تململ بعض الطلاب في أماكنهم و ظهر الضيق علي وجوههم ... ارتفعت همسات بينهم ... بينما أكمل هو بنبرة حاسمة : الفكرة إن كل طالب مستواه مش احسن حاجة ... هيتقسم مع طالب متفوق في ثنائي ... هيذاكروا سوا ...  ويعملوا الوظايف سوا ... ويتابعوا مع بعض لحد الامتحان ... يعني كل واحد مش مسؤول عن نفسه بس … لكن كمان مسؤول عن زميله ...
رفع إسلام يده بسرعة وقال بصوت معترض : بس يا استاذ  … احنا مش مطالب مننا اننا نعمل كده و نلتزم بالثنائيات دي ...  ما ممكن نذاكر مع بعض من غير ما نبقي في الثنائي دة ...
رد يحيى بحدة : جرّبنا الموضوع ده قبل كده … و مش نافع معاكم ... الثنائيات دي مش حاجه هنتناقش فيها ... دي حاجة هتتنفذ ...
وساد الصمت من جديد ... نظرات غاضبة من لينا نحو الصف الآخر ... وملامح مشدودة على وجه زين ... تأفف من اسلام ... ملامح ضيق علي وجه ليان و ديانا ...
مدّ الأستاذ يحيى يده إلى الأوراق ... وبدأ يقلب فيها ببطء ... ثم قال : طيب … نبدأ بأول ثنائي …
سفيان ... مع جميلة ...
جميلة تملّكها القلق فجأة ... لم تكن ترغب أن تُقرن خطواتها بسفيان ... فيما ارتسمت على وجه سفيان ابتسامة غريبة و هو ينظر ناحيتها ....

قصة حياتنا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن