P.8

63 11 3
                                        

توقفت جميلة أمام سفيان مباشرة، وعيناها لا تفارقان وجهه .... رفع رأسه ببطء، والتقت نظراتهما في صراعٍ صامت أثار فضول كل من في الساحة ...
وقف البنات وبقية الشباب، ومعهم لينا، يراقبون الموقف بدهشةٍ وقلق، بينما انعكس التوتر على وجوه صديقاتها اللواتي كنّ يعلمن ما يجول بخاطرها .... الخوف تسلل إلى قلوبهن من أن تفعل ما لا تُحمد عقباه ....
لكن جميلة لم تمنحهم وقتًا للتفكير؛ إذ رفعت يدها فجأة، وهوت على وجه سفيان بصفعةٍ قوية دوّى صداها في المكان ....
تجمّد الجميع في لحظةٍ واحدة، واتجهت الأنظار كلها نحوهما، فيما ساد صمتٌ ثقيل لم يقطعه سوى شهقة متفاجئة من أحد الواقفين ....
وما بعد الصفعة، لن يكون كما قبلها ...
ساد الصمت لثوانٍ بعد صفعة جميلة التي دوّت في أرجاء المكان ....
اتسعت عينا سفيان في صدمة ودهشة، لم يستوعب للحظة ما حدث، قبل أن تتبدل ملامحه سريعًا إلى غضب مكتوم، يضغط على أسنانه، بينما عروقه بارزة في عنقه ...
أما جميلة، فكانت واقفة أمامه بوجه بارد لا يحمل أي انفعال، نظراتها مستقرة في عينيه، كأنها لم تفعل شيئًا ...
قالت بصوت ثابت، لكن نبرته اخترقت كبرياءه : كان ممكن تواجه أمين بنفسك ... بس لأ، استخبيت ورا رجالتك ....
توقفت قليلًا، وأدارت عينيها حولها وهي ترفع حاجبها بثقة، ثم أعادت بصرها إليه، تكمل بهدوء قاطع ... و بنبره يعتليها التحدي : دلوقتي أنت قدامي لوحدك .... من غير رجالتك ... يا ترى هتقدر تعمل إيه؟ ....
لم تترك له مجالًا للرد، استدارت ومشت بخطوات واثقة من أمامه ...
في تلك اللحظة، انتشرت الهمسات بين الطلاب كالنار في الهشيم :
"إزاي قدرت تضربه؟"
"دي وقفة قصاد سفيان وما خافتش!"
"هو بجد بعت رجالة على أخوها؟"
" هي متعرفش هو مين ولا اي"
العيون كلها تتنقل بين سفيان وجميلة، مزيج من الصدمة والإعجاب والخوف ...
أما سفيان، فبقي جامدًا في مكانه، متجمّد الملامح بين الغضب والاحراج ....
جميلة تابعت طريقها غير مهتمه، وأسرعت ديانا وتالين وليان خلفها، يجرين بخوف وقلق، بينما الجو كله ما زال مشحونًا بالذهول ....
دخلت جميلة بسرعة إلى أحد الفصول، تتنفس باضطراب واضح ... لطالما شعرت بالتوتر حين تلتقي عيناها بعيني سفيان أو تضطر للحديث معه، لكن هذه المرة لم تسمح لنفسها بأن تُظهر ذلك أمام أحد، ونجحت بالفعل في إخفائه ...
~ و الآن، لنجعل انظارنا تترك كل شيء، و تتوقف عند جميلة ~
شخصية جميلة أكثر ما يميزها هو البرود والهدوء؛ فملامحها دائمًا جامدة، تخفي مشاعرها في أعماقها ولا تسمح لأحد بقراءتها ... لا تُفصح عما بداخلها بسهولة، لكنها في الوقت نفسه تملك شجاعة نادرة ... قلبها معلّق بتوأمها أمين، تحبه أكثر من أي شخص آخر في حياتها، كما أن حبها للحيوانات، خصوصًا الكلاب، يذيب ذلك الجليد الذي تضعه حول روحها ....
ملامحها تزيدها تفرّدًا؛ عيناها العسليتان تحملان بريقًا خفيًا، وشعرها البني الغامق تتخلله خصلات فاتحة تزيده جمالًا طبيعيًا ... بشرتها الفاتحة تتناثر عليها لمسات من النمش الخفيف، بينما أنفها رفيع وشفاهها متوسطة الحجم، تمنح وجهها مزيجًا بين الصلابة والبراءة ....





قصة حياتنا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن