١

85 7 1
                                    

..

غابت الشمس، فهد ركني، وانقلب حالي، وتأوّهتُ تأوّه الفاقد على الرغم من أني أقف في نفس المكان الذي أقف فيه كل يوم أمام نافذتي، إلا أنه بدا لي أن المكان قد تغيّر، المناظر تغيّرت، أو قد أكون أنا من تغيّرت؟، ربما كل شيء تغير.

نظرتُ إلى السماء نظرة المودع المستسلم، تغيّر لوني مع احمرار لونها إنها هي الليلة التي أخافها ولكني أنتظرها، ليلة ليست كباقي الليالي، أذن المؤذن لصلاة المغرب فصاح :

الله أكبر

فرفعت رأسي إلى السماء وقلتُ " يا كبيرا لا يُقاس، ألهمني صبرًا يُعينني على هذه الليلة"، فوصل المؤذن إلى:

أشهد أن محمدا رسول الله

وجهت وجهي إلى المدينة المنورة وقلتُ بقلب محمد: " حق لي في هذه الليلة أن أقول كما قالت لك بضعتك : صُبَّت على مصائب لو أنها ، صُبَّت على الأيام صرن لياليا"، وعندما صدح المؤذن باسم أمير المؤمنين عليه السلام:

- أشهدُ أن عليًّا ولي الله

انكسرتُ ووجهت وجهي إلى النجف المعلى وناجيته وقلتُ: "يا أبا الغوث أغثني، يـا عـلي .. أدركني..".

توجهت إلى المغاسل لأتوضأ، رأيتُ الماء، ويا ليتني لم أره، جمدت جوارحي، حتى رمشي رفض أن يرمش، تسارعت نبضات قلبي، تراجعت أناملي، وعجزت عن التعبير، تذكرتُ أني عطشان .. ولكني أمسكت عن الماء في هذه الليلة، فكيف لي أن أجرأ على شرب قطرة واحدة.

أخذتُ غَرفةً من الماء بيدي، وتوقف عقلي عن إدراكِ الوقت، استجمَعْتُ قُواي، أسبغت وضوئي ومشيتُ إلى غرفتي بخطواتي الثقيلة، دخلتها، فهوى ناظري على قميصي الأسود الذي جَهَزَتْهُ لي أمي فاغرورقت عيناي !

كنتُ أرى أُمي في كل دمعة أذرفها، فهـي أوّل مـن أخبرتها عن دمعتي الأولى على صاحب المصيبة الراتبة، نعم لا زلت أذكرها، وكيفَ يَنسى مَن خُلِقَ للبكاء عليه؟

أتذكر جيدا تلك اللحظة التي خرجتُ فيها من الحسينية عندما كنتُ دون الـعـاشرة، مهرولاً في يــوم الفاجعة الكبرى، وما إن صرتُ بجانب أُمـي قلتُ لها وأنا أبتسم: "أُماه .. لقد بكيتُ مثلكم اليوم "، وسألتني بابتسامة المكروب المفجوع وبعين الحزين الخاشع : "بكيت بدموع؟ "، فأجبتها بافتخار : "نعم"، فضحكت ودموعها تتلألأ في عينيها، فعلمتُ أنّ في حزني عليه سعادةً في قلب أمي، فارتبطت دموعي بوالدتي منذ نعومة أظفاري، فلا عذَّبَ الله أُمّي إنها فُجِعَت بقتل الذبيح فأفجَعَتْني معها.

فوزًا عظيماً ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن