١٧

9 2 0
                                    

..

وهنا سمعتُ إجابة الحضرمي التي مُلِئَت غُصّة: - عند الله أحتسبه ... ما كنتُ أُحبُّ أن يُؤسَرَ وأن أبقى بعده ! . فتدخل سيدي وحبيبي وإمامي الحسين عليه السلام فورًا وقال له بنبرة التعاطف - رحمك الله، أنت في حلّ من بيعتي، فاعمل في فكاك

ابنك !.

يا الله ! ، أعطاه الحسين عليه السلام الإذن ليذهب في فكاك ابنه على الرغم من أنه لا يملك إلا العدد القليل من الأنصار، وكل واحد منهم سيترك أثرا إن رحل. أجاب الحضر مي برجل ثابتة وقلب مطمئن : - أكلتني السباع حيا إن فارقتك !.

استحقرت نفسي عندما سمعت هذا الجواب منه، فلم يفكر أبدا في ابنه ! ، لم يتردد لسانه أبدًا، غُربة إمامه هي كل همه، وبقيت مذهولاً، أراجع نفسي، وأحسبُ لإيماني ألف حساب!.

- يا قوم إني غدا أقتل، وتقتلــون كـلكـم معــي ولا يبقى

منكم واحد!

أعلن إمامي هذا الإعلان المهم، الكل سيقتل، لن يبقى منا باقية، لن ينجو أي أحد لا مهرب بعد الآن، فها هو الضمان بالموت من فم المعصوم مبـ مباشرة، تصفّحت وجوه الذين كانوا في المقدمة، ولم أرَ إلا الثبات والإصرار على الشهادة، والرغبة في معانقة الموت على حُب هذا الإمام الحبيب، وقالوا:

- الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك وشرفنا بالقتل معك، أولا ترضى أن نكون في درجتك يا ابن رسول الله ؟

فجزاهم إمامـي خيرًا ودعا لهم، وقاطعهـم صـوت بريء، صوت يافع، لصبي لم يبلغ الحلم بعـد - وأنا فيمن أُقتل؟

خفق قلبـي لـصـوتــه، ولم يكن سؤاله سؤال الخائف من أنه سيكون من المقتولين، بل صوتُ الذي يتمنى ويرجو أن يُحسب معهم، حاولت النظر إلى وجهه، ولكن .. أبــت عيني ذلك، فعلمتُ أنه من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولم أُحاول حتى مقاومة إرادة عيني، فأجابه الحسين عليه السلام:

- بني .. كيف الموتُ عندك ؟

، الله الله .. صبي لم يبلغ الحلم وهكذا يكون سؤال الحسين عليه السلام له؟ سؤال قد لا يجرأ الكبار على الإجابة عليه، سؤاله يخافه كثير من الأبطال، ففي المعركة لا يحتمل البطل أنه سينجو إذا كانت الموازين في صالحه، ولكن هنا الوضع

مختلف تمامًا، فقبل قليل أعطانا الإمام ضمانًا بأنه لن يبقى أحد، والكل سيقتل ، ناهيك عن الحصار وفرق العدد بين المعسكرين الذي يدل على الخسارة في المعركة، فهذا الصبي كان يعلم أنه سيكون من المقتولين لا محالة، وكان جوابه

- يا عم .. "فيك " أحلى من العسل!

ياعم ؟ ، نعم .. إنه هو حتمًا، إنه هو .. القاسم بن الحسن عليهم السلام ثمرة فؤاد الإمام المجتبى، ما إن عرفته إلا و وجهت وجهي مباشرة نحو المدينة وهمست بدموع جارية: "صلى الله عليك يا كريم أهل البيت، صلى الله عليكَ أيها المظلوم، صلى الله عليك يا معز المؤمنين ومذل الكافرين صلى الله عليك يا من رموا جنازتك بالسهام وحرموك من أن تُدفن عند قبر جدك .. لقد ورث ابنك القاسم منك شجاعتك يا مولاي، وورث منكَ حُبّكَ لأخيك، فها هوا لا يكترث بالموت ويرى طعمه كالعسل لأنه في الحسين عليه السلام". أسعد جواب القاسم بن الحسن عليه السـ ه السلام قلب عمه الحسين وأبكاه في الوقت نفسه، فأجابه وكلّه غُصة - إي والله فداك عمّك، إنّك لأحد من يُقتل من الرجال

معي، بعد أن تبلــو بــلاء عظيم ... ويُقتل ابني عبدالله

تسارعت نبضات قلبي عندما سمعتُ إمامي يقول: "ابني عبدالله"، وتراجفت أعضائي وأجاب القاسم: - ياعم، ويصلون إلى النساء حتى يُقتل عبد الله وهو رضيع ؟

لا تُجب يا سيدي، أرجوك لا تقلها، لا تخبر بالخبر، فلا ذنب للأطفال، لا ذنب للرضعان، لا ذنب للأم المرضعة!، لا تقلها أرجوك .

- فداك عمّك، يُقتل ابني عبدالله إذا جنّـت روحـه عطشًا، وصرتُ إلى خِيَمِنا فطلبتُ له ماءً ولبنا، فلا أجد قط ! فأقـول نـاولــوني ابني لأشربه من في، فيأتــوني بــه، فيضعونه على يدي، فأحمله لأدنيه من فيّ، فيرميه فاسق بسهم فينحره وهو يناغي فيفيـض دمــه في كفي، فأرفعه إلى السماء وأقول: "اللهم صبرًا واحتسابًا فيك"، فتعجلني الأسـنة منهم والنار تسعرُ في الخندق الذي في ظهر المخيم، فأكر عليهم في أمر أوقات في الدنيا، فيكون ما يريد الله.

وا مصيبتاه!.

هويت على ركبتي، ولطمتُ وجهي حتى : تخدّرت وجنتاي!

فوزًا عظيماً ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن