١٥

14 2 0
                                    

..

وجّه إمامي في هذه المرّة خطابًا خاصا إلى أبناء عقيل بن أبي طالب وقال:

- يا بني عقيل، حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أَذِنْتُ لكم ! .

لسان . حبيبي الحسين ما إن سمعتُ باسم السفير من ل عليه السلام وجهت وجهي نحو الكوفة، واقفًا وقفة الحداد، مطأطئا رأسي، مُسلّما عليه قائلاً:

۹۱

السلام عليك يا غريب الكوفة، السلام عليك يا سفير الحسين وثقته، السلام عليك أيها المفضَّلُ من أهل بيته، السلام عليك يا من قتلت مظلوما، الســلام عليـك يــا مــن قتلت عطشانا، السلام عليك يا من كان آخر قوله هو سلامه على الحسين، الســلام عليـك يـا مــن رميت من أعلى القصر، السلام عليك يا من جروا جثته في الأسواق، السلام عليك یا صاحب أول رأس محمل السلام عليك يا صاحب أول جثةٍ صلبت السلام عليك يا من تدمع عليه عيون المؤمنين".

وقطع سلامي جواب بني عقيل:

- فما يقول الناس ؟ .. إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف .. لا والله لا نفعل، ولكن تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا ونقاتل معك حتى نَرِدَ موردك، فقبح الله العيش بعدك!.

وإلى هذه اللحظة، لم أسمع بجواب الأنصار، فكأنهم كانوا يقدمون بني هاشم في كل شيء، ولا يتقدمون عليهم أبدا، وبعد جواب بني عقيل قام مسلم بن عوسجة وقال:

- أنحن نخلي عنك ؟ .. ولما نعــذر إلى الله في أداء حقك؟ أما والله حتّى أكسر في صدورهم رمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولا أفارقك ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك.

لقذفتهم بالحجارة! .

أحيانًا يقول المرء كلمات تعبر عن حب صادق، مختزلاً نوعا ما شيئًا من المبالغة، ولكن الأمر لم يكن كذلك مع ابن عوسجة، علمتُ أنّهُ كانَ صادقًا في مبالغته، ولم يكن يبالغ، وكانت عينه تقول أنه مستعد لأكثر من ذلك !.

وقام سعد بن عبدالله الحنفي وقال:

- والله لا نخليك حتى يعلم الله أنـا قـد حفظنا غَيبة رسول الله فيك، والله لو علمتُ أني أُقتل ثم أُحيا، ثم أُخْرَقُ حيا، ثم أُذُر، ويفعل ذلك ب بي سبعين مرة ما فارقتك ! .. فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي : قتلة واحدة

كنت أظن أني أستطيع أن أكون بين هؤلاء الأنصار، كنت أعتقد أني سأنصر حبيبي معهم، ولكنّي شعرتُ أني

۹۳

" واهم" وأنا أسمعهم كيف يخاطبون سيدهم، ومدى استعدادهم لتقديم أرواحهم، ليس مرة واحدة، بل سبعين مرة، لأني شعرت بأن فعلي سيكون أقـل مـن قـولي، أما مع الأصحاب فقد كان العكس تماما!، كنتُ متيقنا بأن فعلهم سيكون أعظم من قولهم إن أُتيحت لهم الفرصة ولم تكن مجرد أحاسيس يعبّرون عنها بكلامهم !

وقام زهير بن القين وقال:

- والله لوددت أني قتلتُ ثم نُشرت ثم قتلتُ حتى أُقتل كذا ألف قتلة، وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك.

كنت مفتخرا باعتقادي بأن روحي رخيصة جدا أمام إمامي الحسين عليه السلام، وسعيدًا باستعدادي على بيعها لأجله بأرخص الأثمان، ولكن بعدما سمعت كلام زهير عرفتُ كم أنا ضعيف، ولا أستحق نُصرة حبيبي، فهو لم يُرخص روحه السيده الحسين عليه السلام، ولم يبعها بسعر زهيد، بل كان يعتبرها " لا شيء"، وكان يرميها تحت رجلي حبيبه دون تقدير ثمنها، فلا قيمة لها أمام الحسين عليه

٩٤

السلام.

وأكمل الأنصار أجوبتهم وكل يعبر عن استعداده بطريقته، ويترجم عشقه بأسلوبه الخاص، وأنا أستمع إليهم، مطأطِئًا رأسي، خجلاً من نفسي، كيف أتجرأ على الوقوف بينهم؟ ، فعلاً لا أصحـاب خــير مـن أصحابك يا أبا عبدالله، ولكنّي على الرغم من ضعفي وخجلي من نفسي، إلا أنّي سأبقى ! ، وسأنصركَ وإن كنتُ لا أملك إلا القليل من المعرفة، لن أتركك يا حبيبي وأُقاتل بهذا القليل فاقبله أرجوك، فلا يهمني إن كنتُ أستحق ذلك أم لا، المهم هو أن أكون معك ناصرا ولو صغيرًا.

فوزًا عظيماً ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن