٦

21 4 0
                                    

..

في تلك الأثناء أتى فارس قبيح الوجه واقترب من معسكرنا، توقف أمامنا وصاح

بنو أختي عبدالله وجعفر والعباس وعثمان أعرفُ هذه الأسماء جيّدًا، أربعة لا يفترقون أبدا، أربعة لطالما بكيتهم، أربعة أنجبتهم "الوفاء كله". لم يعيروا أي اهتمام للفارس القبيح الذي ناداهم، بل

التفتوا مباشرةً إلى سيّدهم وإمامهم الحسين عليه السلام، منتظرين أوامره، فأجابهم إمامي أجيبوه وإن كان فاسقا

وتوجهوا إليه امتثالاً لأوامر الحسين عليه السلام وسمعت همسًا حولي فضح هويّة هذا الفارس القبيح، ويا ليتني لم أعرفه، ويا ليتني لم أسمع باسمه !، كانَ "الشمر بن ذي الجوشن "، الاسم الذي يجعل دمي يغلي في جسمي، واقتربت منهم لأسمعه يتحدّث مخاطبًا الأربعة أبناء الوفية، فقد كان صوته عاليًا مسموعا، فسمعته يقول لهم:

- يـا بنـي أختـي أنتــم آمـنـون، فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين

أرادهم أن يتركوا أخاهم الحسين عليه السلام؟ ألم يعلم أن أمهم أرضعتهم الوفاء لأخيهم؟ ألم يعلم أنها علمتهم أن ينادوا أخاهم بـ "سيدي " ؟ ، ألم يعلم أنهم أبناء أم البنين!، آذاني كثيرًا بطلبه، إلا أن قمر بني هاشم قد شفي غليلي بجوابه حين قال:

- تبت يداك، ولعن ما جئتنـا بـه مـن أمانـك يــا عــدو الله، أتأمرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة عليهما السلام وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء!

سبحان الله ما أشبه القوم بالقوم، وكأن الأيام تعيد نفسها، فبالأمس يأتي المشركون لأبي طالب عليه السلام يساومونه على تركِ ابن أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يرفض وينهرهم، وها هو حفيده .. يتكرر معه نفس المشهد !.

سلام الله عليك يا قمر العشيرة، ونعم الأخ المواسي لأخيك، فعلاً شفا غليل الكل في المعسكر، والكل ابتسم لهذا الموقف، والأجمل أننا جميعا شاهدنا الشمر قد اصفر لونه وعاد غاضبًا إلى معسكره خائبًا، وعاد العباس عليه السلام إلى مخيمنا ليستقبله أخوه الحسين عليه السلام، وما حيرني في نفسي، أنَّ العباس كان يعود باتجاهي، لأني كنت واقفا في مقابل ،موقعه لم أتجرأ على رؤية جمال وجهه، لم أستطع حتى رفع رأسي، هيبته كانت تُطأطئ رأسي وتُغمض عيني، احترامي إليه يجعلني أجبَرُ على أن أحني رأسي بمجرد مروره أمامي ولو من بعيد، وأكثر من ذلك فإن شوقي وحبي ق قد ذابا وخضعا

وسجدا لهيبته!، ولم يحاول المقاومة، بـل سـلم نفسـه وحــرم عيني من رؤية جمال وجهه ، كنت أشعر بأنه لم يؤذن لي بالنظر إلى وجهه ، وكنتُ أكتفي بالنظر إليه من خلف، والاستماع إلى

صوت ته .

وفور وصوله إلى أخيه وسيّده الحسين عليه السلام استقبلته أخته المخدّرة العقيلة زينب الكبرى عليها السلام التي لا تراها عين، ولا يُلمح لها ظل، وريثة أُمّها سيدة نساء العالمين، العالمة غير المعلّمة، الفهمةُ غير المفهمة، وقالت له :

- أخي، إني أُحدثك بحديث؟

فأجابها كافلها بهيبة الكفالة

- حدثي يا زينب، لقد حلا وقت الحديث

وكنتُ أستمع إلى حديثهما ودموعي تقطر من لحيتي، فحكت العقيلة عليها السلام وقالت

- إعلم يا ابن ،والدي لما ماتت أمنا فاطمة عليها السلام، قال أبي لأخيه عقيل : أريد منك أن تختار لي امرأةً، من ذوي البيوت والشجاعة، حتى أصيب منها ولدا ينصر ولدي

الحسين بطق كربلاء، وقد ادخرَكَ أبوك لمثل هذا اليوم، فلا تقصر يا أبا الفضل!

وصية ليست كالوصايا، ما إن سمعها قمر العشيرة عليه السلام، حتّى انتفضَ في ركاب سرجه، فقطعهما، وصاح

- أفي مثل هذا اليوم تشجعينني، وأنا ابن أمير المؤمنين عليه السلام؟!

وسُرت المخدّرة سرورًا عظيما، وكيف لا، وكافلهـا وناصر أخيها هو العباس بن علي بن أبي طالب، ابن فاطمة بنت حزام الكلابية، التي انتخبها أبوه فقط لتلد له أسودًا في الوغى، ينصرون سيّدهم الحسين عليه السلام.

فوزًا عظيماً ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن