..
لمستُ حُبّ الحسين عليه السلام الشديد لنافع، فكأنه لم يرد أن يراه قتيلا، أو أنه أراد أن يختبره مرة أخرى، اختبارًا خاصا، وهو يريه ممر الهروب، لا أعلم!... وكنت متوقعا من ثبات نافع، فهو المقرب من إمامي الحسين، لن يتخلى عنه بالتأكيد، وكنت أنتظر منه إجابة تشفي غليل حاجتي للوقوف بجانب إمامي، ولكني تفاجأت عندما رأيته وقع بكل ثقله على قدمي حبيبي الإمام الحسين، يقبلهما بجنون ويقول :
- ثكلتني أمي إن سيفي بألف وفرسي مثله، فوالله الذي مـن بـك عليَّ لا فارقتك حتـى يـكـلا عــن فــري وجري
عمق معرفي لن أصل إليـه مـا حـيـت ، كيـف خاطب إمامه بكل أدب، كيف صاغ هذه الكلمات، كيف يُقسم بالله وبنعمة الحسين عليه السلام عليه ، ما هذه المعرفة؟ ما هذا الوفاء يا نافع.
عاد سيدي برفقة نافع بن هلال، إلى المخيم وعُدتُ خلفهما، إلى أن دخل سيدي خيمة كانت في قلب خيام أهل بيته، كأن الخيام كلها تحرسُ هذه الخيمة، وأهل بيته يحرسون ساكن الخيمة، فلم يتردد عقلي في تشخيص الخيمة، إنها هي. خيمة زينب، ووقف نافع خارج الخيمة وكأنه ينتظر خروج سيده ليرافقه، فسمعتُ أنا ونافع خطاب الحسين عليه السلام لأخته زينب عليها السلام
- والله لقد بلوتهم، فما وجدت فيهم إلا الأشـوس
الأقعس، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أمه
كان سيدي يفتخر أمام أخته العقيلة عليها السلام بأنصاره، وثباتهم، ورباطة جأشهم، وشجاعتهم، وكان يخبرها عن اختباره لهم وكيف وجدهم، وكنتُ مبتسما في تلك اللحظة، سعيدًا، وكأن الخطاب كان عنّي، ولما نظرت إلى نافع، وجدته يبكي بكاء شديدًا!، ما هذا العشق؟، أيبكي حتى على افتخار إمامـه بـه؟ ، فخرج مسرعا إلى حبيـب بــن مظاهر الأسدي، ذلك العظيم، الشيخ الجليل الوفي، وأخبره بما حصل بين الحسين وأخته العقيلة عليهما السلام، فقال
- والله لولا انتظار أمره، لعاجلتهم بسيفي هذا الليلة!
ما بال هؤلاء الأنصار؟ ، أيعقل أن يُسرع المرء إلى موته من أجل الحب ، يرى الموتَ فتاةً يُريد التعجيل بعناقها ! حقا .. لم أر أصحابًا ولا أنصارًا كهؤلاء.
قام حبيب فزعا ونادى الأنصار بأعلى صوته:
حقًا .. لم أر أصحابًا ولا أنصارا كهؤلاء. قام حبيب فزعا ونادى الأنصار بأعلى صوته:
- يا أصحاب الحمية وليوث الكريهة
وثبوا جميعهم كالأسود، تلبية لنداء هذا القائد العظيم، والتفت إلى بني هاشم وصاح فيهم بكل أدب
- ارجعوا إلى مقركم لا سهرت عيونكم
ما هذا الاحترام المذهل؟، لا يجرؤ على توجيه خطابه إلى بني هاشم على الرغم من كبر سنه أمامهم، وعظم شأنه في قبيلته، أراد أن يُعلن بأن خطابه هو فقط للأنصار، ولا خطاب لبني هاشم إلا من سيّدهم الإمام الحسين عليه السلام.
حكى للأنصار ما نقله له نافع بن هلال، فأجابوه كلهم كما أجاب نافع وصاحوا
- فطب نفسًا وقرّ عينًا
وناداهم جميعهم، وقال:
- هلموا معي لنواجه النسوة وتطيب خاطرهن
فتقدمهم، وكنتُ خلفهم، وسيوفنا في أيدينا، فرفع سيفه ورفعناه معه، وصاح في نساء بني هاشم بنبرة ملؤها الغيرة والحمية
يا معشر حرائر رسول الله، هذه صوارم فتيانكم، آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يُريد السوء فيكم، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور مـن يفرّقُ ناديكم
اقشعر بدني لخطابه، وشعرتُ أني أريد أن أركض إلى ساحة القتال الآن، وأقتل كل من يُدخل الرعب في قلوب نساء الحسين عليه السلام.
انتهى حبيب من ،زئيره فخرجن النساء المخدرات العفيفات، بأنينهن، ببكائهن ،بعويلهن، بصراخهن، وهن يقلن :
- أيها الطيبون حامـوا عن بناتِ رسول الله صلى الله عليه وآله وحرائر أمير المؤمنين عليه السلام فبكوا جميعهم، وبكيتُ معهم، وبكـت معنا الأرض
والسماء، وكل حجر ومدر، وكل حي وجماد. وعندما سمعت باسم أمير المؤمنين عليه السلام رفعت يدي، فعــلا سـيـفـي، وتذكرت يوم غدير خم، وكيف
كان رسول الله رافعًا يد أمير المؤمنين، فتخيلت رسول الله أمامي، وعلي بجانبه، ويدههما إلى السماء، فبدأتُ أصرخُ بجنون دون توقف بتناغم مع حركة سيفي وأنا أهـزه
- حيدر .. حيدر .. حيدر
أنت تقرأ
فوزًا عظيماً ..
Historical Fictionآخيرًا تم نقل هذهِ الرواية العظيمة .. الي اتمنى الكل الي تصير عينه عليها . ليبخل ع نفسهُ بعدم الأطلاع ع هذهِ الرواية .. والحمدلله عن نعمة التوفيق لنقلها .. فوزًا عظيماً للرادود أحمد صديق جزاهُ الله كل خير .. تم نقلها الجمعة التاسع من محـرم بحسب الأ...