دخل المعلم حنفي ببريق عينيه المليئة بالحكمة، وهي تعانق في يأسها البحث عن قطعة قرطها المفقودة، كالفجر الذي يبث الأمل في كل قلب مُظلم، فقال:
_في حاجة يا ولية؟ردت أم الديب بإحباط:
=الحلق بتاعي مش لاقياه ياخويا.نظر المعلم حنفي لها بلا رد، كما ينظر الملاك للدنيا ببصيرة لا تُضاهى، ثم غادر الغرفة في هدوء تام، وبعد مضي عدة ساعات، تداعى الأقارب، والجيران إلى منزل أم الديب، ونشطت أختها سعاد لتقديم المساعدة في استعدادات الخطوبة، التي اقتصرت على أرز، وسلطة خضراء فقط. وفي لحظة مُفاجئة، وقفت هايدي في عتبة المطبخ، فوجدت إزاءها الأرز والسلطة، كل منهما ينبض بألوان البؤس، فتساءلت في دهشةٍ ممزوجة بالتعجب:
_هو فين أكل الخطوبة؟ردت أم الديب:
=قدامك أهو يا بت.نطقت هايدي بدهشة:
=قدامي فين؟ ده رز، وسلطة... فين اللحمة، والفراخ؟أم الديب بصوت حاد:
_ليه؟ وهو إنتي كمان عايزانا نعمل الطفح بتاع شبكة أخوكي؟ أمال أهل السنيورة هيعملوا إيه؟ ماية بسكر؟قالت سعاد بلُطف:
=براحة عليها يا بسمة، دي مهما كان عيلة صغيرة!غمرت هايدي الغضب بكل ألوانه المشتعلة، وخرجت كلماتها كصواعق من السماء المظلمة، فقالت بصوتٍ يترنح بين الغضب، الانزعاج:
_أنا مش عيلة صغيرة...أنا في ثانوية عامة وعارفة بقول إيه كويس!أرادت أم الديب أن تُصيب هايدي بنعلها، فاستنجدت هايدي بصراخٍ مرتفع، وهربت بعيدًا خارج المنزل، فلم تكتفِ أم الديب بذلك، بل بصقت أمامها بغضبٍ متراكم، وعبَّرت قائلة:
=يلا يا ولاد الكلـ* من هناهو! جاتكم ستين داهية تاخدكم...هو إنتوا هتدخلوا في اللي مالكمش فيه كمان؟واست سعاد أختها بسمة، وقالت بتأثر:
_براحة على عيالك شوية يا بسمة! إنتي هتطلعي عقدك عليهم؟صاحت أم الديب بأختها:
=بقولك إيه يا سعاد يا ختي، يا تشتغلي وإنتي مكتومة، يإما تروحي دارك! أديني قولتلك أهو!ارتعبت سعاد من بسمة، فاحتشدت الكلمات في حلقها، وتزامن صمتها مع استمرارها في إكمال طهي الطعام الذي كانت تحمله بيديها... وبينما كانت ليالي تجلس في غرفتها برفقة أختها، وخبيرة التجميل في جو من الأنغام، والسعادة، كانت هبة تقف أمام المرآة تنتف شعر حاجبيها وتحتفظ بابتسامة خفية، في حين كانت خبيرة التجميل تضع مسحوق التجميل على وجه ليالي ببراعة. وعندما اكتملت الاستعدادات توجه جلال مع عائلته إلى منزل عم سلامة، وفتح الباب ليُفاجأ بجمال ليالي الخاطف للأنفاس وهي عروس متألقة، اطلقت نعمة الزغاريد، واقتربت هبة لتعانق أختها العروس، وخرجت كلماتها بفرح مشع مليء بالحب، والتهنئة:
_زي القمر...اسم الله عليكي.ردت ليالي بفرحة:
=ربنا يخليكي يا نعمة.اقترب جلال وأمسك بيد ليالي، وعلى وجهه الابتسامة، وقال:
_إيه يا بت الحلاوة والجمال دول كلهم؟ يخربيت حلاوتك يا بت!
![](https://img.wattpad.com/cover/354980776-288-k360725.jpg)
أنت تقرأ
أم الديب الجزء الأول
Hài hướcعندما تكون المرأة متسلطة اللسان وقوية، ولا تخشى أحدًا، ويعاني الجميع، بما في ذلك أبناؤها، من تصرفاتها، فإنها تصبح مصدرًا للمشاكل والصراعات في المنزل، الذي يتواجد في قرية تُدعى أبو حلاوة. رغم زواجها من زوجها دون موافقته، وتحت تهديد سلاح أخيها المتسلط...