الفصل السابع والعشرون

52 1 2
                                    

بعد أن غرزت أم الديب سن الإبرة في ذراع ليالي، أخرجته برفق كمن يسحب نسمة رقيقة من بحر الصباح، وقالت بابتسامة كالفجر الباسم:
_ايهي سلامتك يا بت...يلا هفكك وارجعي لأبوكي وأمك، وأوعي يا بت يا ليالي تحطي لقمة في بوقك ألا هتفرقعي، اختاري حل من الاتنين:يا تاكلي وتفرقعي، يإما تموتي من الجوع.

ردت ليالي بإعياء:
_آه...منك لله.

فكت أم الديب قيود ليالي، فعادت إلى منزل عائلتها، تتكئ على الحائط كطائر جريح يحاول الوصول إلى عشه، تمشي بخطوات متعثرة، فأمسك بها عم سلامة وقد ملأته الدهشة، وقال:
_مالك يا بتي، فيكي إيه؟

ردت ليالي بإعياء:
_حماتي ادتني حقنة يابا.

نطق عم سلامة بصدمة:
_أنا مش فاهم حاجة.

بينما كان جلال يجلس في زاوية الغرفة، كانت مي تلتصق به كظل لا يفارقه، تهمس إليه بنبرة ملؤها الحب:
_افتحلي قلبك يا جلال، وادي لنفسك فرصة تحبني!

رد جلال بانفعال:
_ديك أم دي كلمة مش حافظة غيرها، سيبي جلال في حال اللي جابوه...إنتي إيه؟

أجابت مي بدلال مصطنع:
_آني بحبك يا جلال.

رد جلال بسُخط:
_وجلال مش بيحبك، هو بالعافية؟ إيه رمي البلا ده؟!

غادرت مي، وقد اشتعل في عينيها بريق الغضب، وقالت بصوت متحشرج:
_هقول لخالتي، وهي تتصرف.

سحبها جلال نحوه بقوة، وصرخ قائلًا بصوت يملؤه الامتعاض:
_أمي لا.

في شقة نعمة، كانت تجلس مع زوجها على الأريكة، يتبادلان أطراف الحديث في جو هادئ، وودي، حيث انعكست أضواء التلفاز الخافتة على وجههما، فقال حامد لها وهو يلمس يدها المرتاحة على الأريكة:
_ما تنزلي تشوفي أمك عاملة إيه!

ردت نعمة بقلق:
_مليش دعوة بأمي ألا تمسك فيا وفيك...خلينا هربانين جوا أحسن.

نطق حامد بسخط:
_دي ولية هم.

تفوهت نعمة بصوت حاد:
_ما جرا إيه يا حمو؟ متنساش إن دي أمي!

رد حامد باهتياج:
_أمك مبهدلة الدنيا يا نعمة.

تنهدت نعمة، وقالت:
_على رأيك...أنا هروح أول مايطلع النهار لأبويا أشوفه عامل إيه.

رد حامد بتأثر:
_أبوكي راجل غلبان مش زي أمك.

ثاني يوم في النهار، عندما تسللت أشعة الشمس الدافئة عبر نوافذ المستشفى، اجتمع الجميع في الممرات المزدحمة للاطمئنان على المعلم حنفي، الذي كان يرقد على سريره محاطًا بأجهزة المراقبة، فوقف جلال بجانبه، وبحزن عميق يرتسم على وجهه، قال بصوت متهدج:
_ازيك يابا؟ عامل إيه؟

رد المعلم حنفي، وهو يتألم:
_آه، تعبان يا جلال.

قالت نعمة باستياء:
_سلامتك يابا.

أم الديب الجزء الأول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن