الفصل الثاني

122 3 1
                                    

تقدم عم سلامة نحو ليالي بخطى ثقيلة، وبدون أدنى رحمة، صاحب قوة الشر يصفع وجهها بشكل مُبرح، فتنحني ليالي بألم على الأرض، وسرعان ما تستيقظ من هذا الكابوس المُروع، قلبها ينبض بسرعة وتتنفس بصعوبة. تضع يدها على صدرها، تحاول تهدئة ضربات قلبها السريعة. وفي هذا الوقت الحرج، تدخل والدتها تباهى أمام سريرها، وتقول:
_انا رايحة السوق يا ليالي، ابقي نضفي البيت على ما أرجع!

ردت ليالي بإرهاق:
=ماشي ياما.

خرجت تباهي متجهة نحو السوق، حاملةً في يدها باقة من الخضروات الطازجة، حتى وجدت مكانها المعتاد على قطعة الأرض، فجلست وبدأت في النداء:
_باتناشر يا قوطة... حمراء، وتنفع لتفريز الصلصة... يلا قرب، قرب، قرب، قربي يا حاجة، تعالى يا أستاذ.

وفي المنزل، كانت ليالي تقوم بالتنظيف، وعندما عادت هبة أختها من جامعتها، جلست على الأرض، مُظهرةً إرهاقها. نظرت لها ليالي بشفقة وقالت:
=شوفتي الفرق بيني وبينك ايه دلوقتي؟ انا قاعدة في بيت أبويا معززة مكرمة، وانتي متبهدلة على السكك، وكل ده عشان ايه؟ الإسم معاكي شهادة؟

أجابت هبة وهي تمسح ماء وجهها بيدها:
_والله مفيش حاجة مضمونه في الزمن ده، على الأقل الشهادة بتنفع، مش الرجالة... الراجل من دول دلوقتي مش هقول يبيعك، لأ ده يبيع أبوه ذات نفسه في ثانية لو الفلوس كترت في ايده وشَم نفسه، ومبيطمرش فيهم في الآخر...انما الشهادة فا لأ، هي سندك وضهرك وعمرها ما تبيعك، بالعكس يوم ما الدنيا كلها تيجي عليكي وتقعي، هي اللي هتقومك وهتوقفك على حيلك!

ضحكت ليالي، وردت:
=حلو كلام الأفلام ده، وانتي يا خايبة شايفة يعني إن احنا في بلدنا دي لاقيين شغل؟ ده الخريجين بيلفوا على القهاوي يبيعوا جرايد.

ردت هبة بنفور:
_اطلعي انتي منها بس، وكله هيبقى تمام!

تحدثت ليالي باستياء:
=بقى كده؟ طيب يا هبة...على العموم اعملي حسابك هتنضفي معايا، مانا مش هيطلع عيني من كل ناحية، وكمان مش لاقية اللي يساعدني!

وقفت هبة، ودخلت غرفتها في صمت، ثم ردت على ليالي:
_انا اللي منضفه الأسبوع اللي فات، الدور عليكي انتي

صكت هبة باب الغرفة في وجه ليالي، مما دهش عينيها، وشعرت بالصدمة من رد فعل أختها! ارتفع صوتها بينما كانت تعبر عن استيائها:
=طب ايه رأيك بقى، ان انا مش عامله حاجة، إلا لما انتي تـ.....

قبل أن تنهي حديثها، رن هاتفها، وبعد أن أمسكته ونظرت به، وجدته جلال فصدحت صوتها بليونة، واهتمام، وقالت:
_جلال؟ غريبة انك بتتصل في الوقت ده يعني؟

وقف جلال حيال التوكتوك الخاص به، وكأنه يعزف سيمفونية من الفخر، والاعتزاز، وهو يمرر يده بانسيابية على خصلات شعره المنسدلة. قال:
=ايه، بلاش أكلم حبيبة القلب والروح؟ ولا الحلوة مشغولة وانا معرفش؟

أم الديب الجزء الأول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن