الفصل الأول

549 6 2
                                    

في عام ١٩٩٣م، في إحدى القرى المصرية الجميلة، يبرز رجلٌ ذو قوة بدنية استثنائية، يُلفت الأنظار بمظهره القوي، وعضلاته المتينة، وجهه ينبعث منه الحدة، والشر، كما لو كان لوحة فنية تنقل الجلوس في إحدى المخازن إلى لوحة درامية. يجلس بسكون على كرسي، يمسك بيده نارجيلة، أو ما تُعرف باللغة المصرية الشيشة، متكئًا بأناقة على الكرسي، يظهر في ملامحه لامبالاة ساحرة تختلط بالشرود. يتجسد هذا الرجل الذي يُلقب بـ "ضايع" كروح تناغمت مع الظلال الغامضة.

في الخلفية تظهر شخصية مختلفة تمامًا، هو المعلم حنفي، رجلٌ بسيط، هادئ الطبع، يعكس على وجهه تعب الحياة ومرارتها. يتقدم بحذر نحو "ضايع"، يضع يديه بتواضع وخوف على بعضهما البعض. وفي لحظة، يسرع "ضايع" بالوقوف، يلقي الكرسي بعيدًا بقوة، ويتغلغل في جوهر حنفي المروع، يتحدث بلسان القوة والتحكم، مثل مُخرِّب لحظات السكون بكلمات تحمل معنى عميقًا وتشد الأوتار الخافتة للخوف في قلب المعلم حنفي، كمن ينقلب مخطط الهدوء إلى صراع لا مفر منه، ويُبدع "ضايع" في أداء سيطرته على اللحظة بأسلوب درامي ينسجم ببراعة مع اللحظة الهادئة التي سبقتها:
_جيبت الفلوس اللي عليك ولا لا يا حنفي؟

يرتجف المعلم حنفي، والرهبة تتسلل إلى عمق عينيه، وكلماته تنطلق بتردد:
=أنا...أنا...أنا هجيبلك فلوس البضاعة بس اديني فرصة!

يُرافق ضايع ذلك الضحك العجيب بنبرةٍ ساخرة، تُخيم على الجو المحمل بالتوتر، وكأنه يتحكم بأوقات الضحك، والرعب كما يشاء:
_ده عندها يا روح أمك... اللي ياخد بضاعة من ضايع يبقى يسدها وعلى أكمل وجه... على العموم أنا اديتك فرصة أسبوعين وإنت كل مرة تأجل، وضايع بطبعه مبيديش فُرص لحد، بس أنا لما اديتك فرصة فكان علشان صلة القرابة اللي مابينا، وبص أنا مش هتكلم كتير.

استدار ضايع واستخرج السلاح من جيبه، وفجأة ارتفعت درجة الرهبة في عيون المعلم حنفي، حتى بدا وكأنه يبتلع ريقه خوفًا. ثم أكمل ضايع حديثه بصوتٍ يرتفع بسخرية حادة:
_بُص يا روح أمك عندك حل من الاتنين مالهمش تالت: يا تتقتل، يا تتجوز بسمة أختي... قولت إيه؟

رد المعلم حنفي بفزع قائلًا:
=لا يا ضايع أبوس إيديك بلاش بسمة أختك! أبوس إيدك ورجلك! اديني فرصة كمان بس وأنا هرجعلك بضاعتك بس متعمليش أي حاجة!

ضحك ضايع للمرة الثانية، ولكن هذه المرة كانت ضحكة ساخرة تتغنى بالشر، ممزوجة بنبرة صوته المليئة بالسخرية:
_مش هعيد كلامي تاني! لو خايف على نفسك وعندك أمل في الحياة وعايز تعيش يبقى تسمع اللي بقولك عليه! تختار تتقتل ولا تتجوزها؟

سقطت دموع المعلم حنفي، فأدرك أنه في موقف لا حيلة فيه، وعندما شعر ضايع بالخوف الذي يتسلل إلى قلب المعلم حنفي، زاد إصرارًا في قراره، حتى ابتسم وأطلق صفيرًا يحمل معاني القوة. فجاءت بسمة أخته مرتدية الفستان، وعلى وجهها ابتسامة كبيرة، فكان سرورها أكبر، إذ ستتزوج أخته بعد طول انتظار! وفي نفس اليوم الذي شهد تلك المعضلة، كان يوم زفافهم، ولكن الفرق في التوقيت! وفي هذا اليوم، كانت دموع المعلم حنفي تسيل كالشلال، وتمنى أن يعصر جبالًا من الليمون على نفسه ليُعبر بهدوء وسلام.

أم الديب الجزء الأول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن