شكوا بحملها، فقد انقطعت عنها الدورة الشهرية لثلاثة أشهر متتالية وانتفخت بطنها قليلاً، فشك الأهل فيها، بالرغم من أنها أكدت لهم بأنها لم تقترب من أي شخص. طبعاً، في ما بعد، اكتشف الأطباء الشرعيون بأنها فعلاً عذراء، وانتفاخ بطنها ليس ناتجاً عن حمل وإنما لاضطرابات في الرحم والتهاب في المبيضين سبب تجمعدماء نزول العادة داخلها مما أدّى لانتفاخ بطنها. عشق الحارس آدم تلك الفتاة، أو جثمان الفتاة، عشقاً قوياً مليئاً بالحنان والشفقة ، عشقاً حقيقياً كما كان يقول لنفسه، لأنه كان يعتقد بأن الناس الأحياء حينما يحبون بعضهم بعضاً فإنهم بذلك يحبون ذاتهم في الآخر، وينتظرون المتعة منه ومعه، بينما حبه لجثمان الفتاة الميتة هو حب حقيقي لأنه لا ينتظر منها أي شيء، فالحب الحقيقي هو الحب المليء بالتعاطف والشفقة قبل الرغبات وانتظار المتع والمبالغة في تقدير الذات من خلال الآخر. في البداية رأى بعض أهلها أمها وأختها ورجلاً ملثماً آخر
جاء معهم، شعر برقة الكائن المغطى بإزار صوفي أحمر من خلال صغر حجم الجثة. لم يكن يعرف أنها جثة أنثى إلا عندما صاح فيه مساعد الطبيب بأن يحمل السرير المتحرك لنقل الجثمان، ووضعوا الجثة عليها انكشف الإزار عن وجهها وعن خصلاتها الذهبية، فأصيب بالذهول.
كان أهل الفتاة قد جاءوا بجثمانها عصراً قبل نهاية الدوام
بقليل. وبالتالي كان عليهم انتظار الأطباء إلى اليوم التالي كي يقوموا بتشريح الجثمان وتقديم التقرير الطبي حول سبب الوفاة، لذا فقد أخذ الجثة إلى قاعة التشريح يرافقه مساعد الطبيب، وهناك تركا الجثة على النقالة وخرجا، لكنه ظل مسكوناً برغبة عارمة في
أن يذهب لرؤية الفتاة، ولتأمل وجهها الجميل والبريء والحزين الذي رآه حين نقلا الجثة من السيارة إلى السرير النقال. حين صعد إلى الطابق الأرضي وجد أن أم الفتاة كانت تبكي بحرقة بينما كانت المرأة الأخرى تحاول أن تهون عليها بالرغم من أنها كانت تبكي أيضاً، بينما ظل الرجل الملثم حزيناً وغاضباً في الوقت نفسه. كان واضحاً أنهم قد علموا من إدارة المشرحة بأن عليهم العودة في اليوم التالي لأن الدوام قد انتهى ولا يوجد
طبيب أصلاً.
عاد الحارس آدم إلى غرفته في الطابق الأسفل حيث قاعة الجثث. عمل لنفسه الشاي، ولكنه لم يشرب منه، لا يدري لماذا، فمنذ أشهر انقطعت رغبته بالأكل والشرب، فكان يعد الطعام لكنه لا
يأكل منه شيئاً، ويعد الشاي ولا يشرب.
خرج من غرفته. اتجه إلى قاعة الجثث. دخل مقترباً من جثة الفتاة الممددة على النقالة. أزاح الغطاء عن وجهها وظل واقفاً
يتأمله.
راودته حينها مشاعر متضاربة. كان وجه الفتاة يبدو وكأنها
نائمة. ثم ببطء أزاح الغطاء عن كامل جسدها، فرأى جرحاً بليغاً في صدرها ناحية القلب، وشيئاً من الانتفاخ أسفل بطنها وكأنها حامل، بينما انزاح ثوبها ملتفاً إلى الأعلى كاشفاً عن فخذيها الملساوين المتناسقتين. ظل للحظات يتأمل جسدها ثم أعاد الغطاء عليه. غطى وجهها أيضاً، لكنه حينما هم بالخروج وقف فجأة ثم
رجع ليرفع الغطاء عن وجهها فقط كاشفاً إياه لسقف الغرفة. في تلك الليلة شاهد الحارس آدم فيلماً أجنبياً اسمه (الآخرون)
أنت تقرأ
مشرحة بغداد
Horrorرواية مرعبة جداً،تحاكي من زاوية أخرى الوجع العراقي الذي لا يريد أن يصل إلى نهاية أبداً،يبقى الستار مفتوحاً أن اعتبرنا العراق أكبر مسرح على الأرض ، يعرض أكثر المسرحيات تراجيدياً،حيث تقوم الجثث بأداء أدوار خانقة ، ويكون الديكور أشلاء ودماء الضحايا الأ...