ذبح إنسان.
في الصورة يبدو وجه فتى في الثامنة عشرة أو أكثر بقليل. الوجه مذعور والنظرات قلقة، لكن الفتى يحاول أن يبدو طبيعياً. ظهر على الشاشة أربعة أشخاص إلى جانب المصور، اثنان يجلسان على جهة، بينما في الجهة الأخرى ثالث يقف وفي يده سكين مطبخ كبيرة، وخلفه شاب آخر. الجميع لا يتجاوزون الثلاثين من
العمر باستثناء الفتى المذعور.
الفتى المذعور يجلس في وسط الغرفة بملابسه الرثة وملامحه البسيطة والتي تشير إلى أنه ينتمي للمناطق الشعبية الفقيرة في العاصمة بغداد. الآخرون كانوا يرتدون بنطلونات جينز وفانيلات
خفيفة متفاوتة الألوان.
ما اسمك ؟
هادي.
- كم عمرك؟
- لا أعرف كم عمري.
تتعالى ضحكاتهم.
كيف لا تعرف كم عمرك؟
والله العظيم لا أعرف كم هو عمري.
أمن المعقول أن لا تعرف كم هو عمرك؟
فقال الفتى بنبرة منكسرة وكأنه يتوسل أن يصدقوه:
والله العظيم، والأنبياء، لا أعرف كم هو عمري بالضبط.
زین، في أي صف أنت؟
أنا تركت المدرسة حينما كنت في الصف الخامس
الابتدائي. كان الفتى مطيعاً ويحاول الإجابة بكل عفوية عسى أن يكسب
ثقتهم كي يعفوا عنه ويطلقوا سراحه.
يعني أنت تقرأ وتكتب؟
أقرأ.
وماذا تفعل في منطقتنا ؟
أنا كاسب، أجمع بقايا أكياس الإسمنت من أماكن البناء لتصنع أمي منها أكياساً صغيرة لبائعي الخضراوات، ونعيش من
بيعها.
أنت تكذب.
صرخ فيه أحد الشبان الجالسين، وشتمه آخر:
- ابن النعال.. تكذب علينا؟ أنت جئت متجسساً لجيش
المهدي.
والله أنا لا أكذب .. ولا أعرف جيش المهدي. من الخلف رفسه أحد الواقفين، وشدَّ الذي يمسك بيده سكيناً
شعره بقوة مقرباً السكين من عنقه وهو يقول له مهدداً: إذا لم تقل لنا من أنت وماذا تفعل في منطقتنا، ولمن تتجسس، سنذبحك، وإذا تعاونت معنا سنطلق سراحك، أفهمت ؟
فهمت ..
قل لنا إذا لم أتيت لمنطقتنا؟
والله العظيم، كما قلت لكم أتيت لجمع الأكياس التي
يحفظ فيها الإسمنت.
ولماذا أتيت لمنطقتنا ألا توجد مناطق أخرى؟
توجد.. نحن نعيش من وراء صناعة الأكياس منذ سنوات؟
أنا أدور في المناطق الغنية التي فيها بناء وعمران، لأنه إذا كان هناك بناء يعني وجود أكياس الإسمنت، وقد وجدت في منطقتكم أكثر
من بيت يتم بناؤه، لهذا أنا في منطقتكم.
لكنك لست وحدك. أحياناً تأتي معك امرأة.
إنها أمي، تأتي معي أحياناً لنجمع أكبر عدد ممكن من
أكياس الإسمنت.
فقال أحدهم ساخراً:
هذا يعني أن أمك أيضاً تتجسس لجيش المهدي.
والله لا نعرف جيش المهدي.
فرفسه الشاب الآخر، الذي يقف إلى جانب حامل السكين
على مؤخرته وظهره وهو يصرخ فيه:
حقير.. اعترف.
أعترف بأي شيء وعن أي شيء؟
فقال له أحد الجالسين وهو يبتسم:
اعترف أنك من جيش المهدي وأنك كنت تتجسس علينا
وسنطلق سراحك.
صمت الفتى المذعور لحظة، ثم قال:
يعني إذا اعترفت تطلقون سراحي ؟
طبعاً نطلق سراحك.
زين.. ماذا علي أن اعترف.. ماذا أقول؟
قل إنك من جيش المهدي.
لكني لست من جيش المهدي ولا أعرفه.
فقال له حامل السكين وهو يضربه على مؤخرة رأسه:
يعني أنت لا تريد أن تخرج سالماً من هنا؟
أريد، لكنكم تريدونني أن أعترف وأقول إني من جيش
المهدي، وأنا لستُ كذلك.
- إذن، أنت لا تريد أن تخرج سالماً من هنا.
يعني لو كذبت وقلت إني من جيش المهدي ستطلقون
سراحي ؟
نعم.
زين.. قولوا لي ماذا علي أن أقول وسأقوله لكم.
قل إنك من جيش المهدي.
أ.. أ.. أنا من.. جيش.. المهدي.
وأنت جئت لتتجسس علينا.
وأنا جئت لأتجسس عليكم... بس والله ما جئت لأتجسس عليكم..
نظر حامل السكين إلى الجالسين هكذا كانت الكاميرا تصور
وجهه وهو يقول:
أنت تقرأ
مشرحة بغداد
Horreurرواية مرعبة جداً،تحاكي من زاوية أخرى الوجع العراقي الذي لا يريد أن يصل إلى نهاية أبداً،يبقى الستار مفتوحاً أن اعتبرنا العراق أكبر مسرح على الأرض ، يعرض أكثر المسرحيات تراجيدياً،حيث تقوم الجثث بأداء أدوار خانقة ، ويكون الديكور أشلاء ودماء الضحايا الأ...