،،،

146 5 0
                                    

كل هذا يحدث في هذا الزمن الجديد؟ لقد كنت أعتقد بأن ذلك يحدث في زمن النظام السابق، الذي كانت تحصل فيه مثل هذه القصص، لا سيما في التسعينات، بعد الانتفاضة ضد دكتاتور البلاد. لم أكن أتصور بأن هذا يحدث الآن، وفي الزمن الذي جاء بالضحايا كي يستلموا الحكم ؟ لكني لو أردتم الحقيقة،

لا أستغرب ذلك، هل تدرون لماذا؟

لماذا؟ جاء صوت آدم الخباز، وهو يسأل. - لأني أنا المدعو آدم كاشف الليل، سليل عائلة كريمة

مشهود لها بالتقوى، وأحد المشاركين في الانتفاضة المباركة، التي اجتاحت البلاد في بداية التسعينات، قد شهدت العجب العجاب مما يجري في هذا الزمان الذي جاء بأخوتي إلى الحكم، حتى صرت أتمنى لو يمكننا الخروج من هذه الزنزانة لنواصل النضال ضد هؤلاء الذين تاجروا بنا ولنصحح المسار. لكن كما ترون أنهم يلقون بنا في النسيان، بل لا أحد يسأل عني، فأنا هنا منذ

سنوات.

لقد تم إلقاء القبض عليّ مع بعض أخوتي المؤمنين الذين حملوا السلاح معي في مواجهة طغاة العصر. كانت أنباء الانتفاضة التي بدأها الجنود المنسحبون من الكويت تصل إلينا، فسمعنا عن انتفاضة البصرة والناصرية والديوانية، والسماوة، والكوت والعمارة، لذا قمنا بعد التوكل على الله بالانتفاضة ضد الطغاة أيضاً، فحاصرنا مقرات الحزب الحاكم ورجمناها بالقاذفات. قتل الكثير من أزلام الحزب وأجهزة المخابرات، وتمت السيطرة على

المحافظة بالكامل، لكن لا نعرف حينها ما الذي حدث، وكيف

استرد النظام قوته؟ بعد ذلك عرفنا أن الطاغية استسلم للقوات

الأجنبية، ووقع معاهدة استسلام، فقط من أجل أن يبقى على

كرسيه، المهم، واجهنا هجوماً مضاداً من السلطة. هربت إلى الأهوار القريبة من محافظتنا. لم أكن وحدي، هناك رأيت المئات من الأبطال الذين شاركوا بالانتفاضة، لكنهم هربوا مثلي إلى تلك الأماكن. ولا أطيل عليكم، بعضنا ذهب إلى

بلد مجاور، لكنا آثرنا البقاء والاستمرار بقتال أو انتظار الفرج. بعد سنوات تسللت إلى البصرة. عملت هناك إسكافياً، ثم حائكاً، ثم خياطاً، وبائع للشاي في المسطر، بائع كبة، ومهناً أخرى،

رغم أني بالأساس مدرّس للكيمياء في ثانوية ما في محافظتي. في البصرة تعرّفت على عائلات كريمة، طيبة، كثيرة، بعضها كانت لديه علاقة بالنظام والحزب الحاكم ومؤسساته، لكنهم كانوا لا يؤذون أحداً، بل على العكس كانوا يساعدون بعض العائلات التي تقرر السلطة اعتقال أبنائهم الذين ينتمون سراً للمعارضة،

سواء كانوا متدينين أم شيوعيين. أذكر ليلة وصول خبر اغتيال أحد المراجع الدينية مع أبنائه.

خرجت مظاهرة احتجاجية في البصرة. تم اعتقال أكثر من أربعمائة شخص تم إعدامهم فوراً، بل إن بعض الجثث ألقيت في الطريق أمام أبواب أهاليهم، ومنعوا الآباء والأمهات من دفنهم، بل لم يتجرأ أحد أن يقوم بذلك، لأن الإعدام لكل من يقترب من الجثث، بل الإعدام لجميع أفراد العائلة التي ينتمي إليها ذلك الذي تجرأ

على الاقتراب من الجثث. هل تصدقون أن الكلاب كانت تأكل من جثث الأبناء أمام أنظار الآباء والأمهات المنكوبين بإعدام فلذات قلوبهم ؟

أذكر جيداً أن السلطة لم تكتف بإعدام الشباب، من أبناء

مشرحة بغدادحيث تعيش القصص. اكتشف الآن