سعى بضع خطوات زاحفاً، مقترباً من أول غرفة على مقربة من السلم. سمع حواراً خافتاً، أصوات خائفة تتحاور. زحف بحيث صار قرب الباب، مستمعاً للحوار الذي بدا بين ثلاثة أشخاص أو أكثر، فانتابه الفضول للاستماع إليهم فربما سيعرف أين هو من خلال ما يتحدثون فيه. كان أحدهم هو الذي يبدو الراوي، ويبدو أنه يروي لآخرين جدد معه في الغرفة، لأنه انتبه من خلال الحوار
بأنهم لا يعرفون بعضهم بعضاً، سمع أحدهم يتحدث قائلاً: نعم.. كنت ماشياً في طريقي إلى الفرن، وكما قلت لكم أنا أعمل خبازاً. رأيت سيارة للشرطة تقف بالعرض من الطريق وعلى جانبه قاطعة منتصفه أشبه بسيطرة مؤقتة ومتنقلة، من حيث توجد في هذا المكان سيطرة عسكرية ثابتة منذ سنوات. خفت أول الأمر، لكني استرجعت شيئاً من شجاعتي لأني رأيت السيارة العسكرية ولمحت الضابط واثنين من الشرطة معه حينما اقتربت منهم، نزل أحدهم وصار في منتصف الطريق. سلمت عليهم محاولاً أن أبدو طبيعياً، فردّوا السلام بود. اقترب مني ذلك الشرطي الذي نزل من
السيارة قائلاً:
أخي، ممكن هويتك الشخصية؟
أخرجت هويتي وسلمتها له، نظر إليها وهو يسألني: أين تذهب في مثل هذه الساعة من الفجر؟
قلت :
أنا خباز، أعمل في الفرن القريب، وهذا هو وقت عملي اليومي الأخوة في سيطرة الحرس الوطني يعرفوني، أنا أذهب
وأجيء في هذا الطريق يومياً.
نظر الشرطي إلي بتمعن وابتسم، ثم قال لي: لحظة، أخي على السيد الضابط أن يقرر في أمرك. قال ذلك وذهب حاملاً هويتي إلى الضابط الذي كان جالساً في السيارة. تحدثا بهدوء، لم أسمع شيئاً مما قالا، لكني رأيت
الشرطي يقترب مني باسماً ويقول: أخي، هناك اشتباه بسيط في اسمك، يمكنك أن تتفضل معنا إلى المركز القريب، الأمر لا يطول سوى بضع دقائق، إنها إجراءات روتينية بسيطة ثم تذهب لعملك، بل نحن سنوصلك إلى
الفرن. ارتبكت حينها، لكني لم أشك في شيء لأن الشرطي تحدث معي بود وبثقة لا تدع أي مجال للشك في صدق ما يقول. وبرغم
ذلك قلت له :
لكني سأتأخر عن العمل، هل يمكن أن نذهب أولاً إلى الفرن وأخبرهم بأني ذاهب معكم كي يقوموا هم ببقية العمل لحين
عودتي ؟
المقود:
فقال السائق الذي كان يسمع حوارنا قائلاً من مكانه خلف
يا أخي لماذا كل هذا اللف والدوران.. الوقت الذي
يستغرقنا في الذهاب إلى الفرن سيكون أطول وأكثر من ذهابنا
إلى المركز، وإنجازنا لكل الأمور، وعودتنا أيضاً، فلا تطل الأمر
وهيا معنا لتستفيد من الوقت، وإذا ما تأخرنا فسأقوم أنا شخصياً
لإيصالك إلى الفرن، هل يرضيك هذا؟
أنت تقرأ
مشرحة بغداد
Horrorرواية مرعبة جداً،تحاكي من زاوية أخرى الوجع العراقي الذي لا يريد أن يصل إلى نهاية أبداً،يبقى الستار مفتوحاً أن اعتبرنا العراق أكبر مسرح على الأرض ، يعرض أكثر المسرحيات تراجيدياً،حيث تقوم الجثث بأداء أدوار خانقة ، ويكون الديكور أشلاء ودماء الضحايا الأ...