لم يكن أمامي أي مجال للرفض، فصعدت معهم. حين وصلنا المركز أدخلوني إلى غرفة فارغة فيها بعض الكراسي، وذهبوا. رأيت الضابط الذي لم يتحدث طوال الطريق، يدخل إلى إحدى الغرف، ثم يخرج منها، ويمضي دون أن ينظر إلي، بل حتى الشرطيان اختفيا والسائق الذي وعدني بأن يرجعني بنفسهإلى الفرن اختفى أيضاً. كنت وحدي في الغرفة، قلقاً وحيداً، مرتبكاً من كل ما حصل لي. فجأة دخل علي شرطي آخر من غير الذين جاءوا بي إلى
المركز، فقال لي بصوت في نبرة عدائية:
أنت آدم صاحب فندق السعادة؟
فوجئت فقلت له بارتباك
- عفواً، أنا آدم الخباز ولست صاحب فندق السعادة.
لا أعرف.. تعال إلى العقيد.. شعرت بشيء من الراحة، فقد تبيّن الأمر إذاً، إنه ليس أكثر من اشتباه في الأسماء والشخوص، فتبعته، فأدخلني إلى الغرفة التي دخلها الضابط أول ما وصلنا إلى المركز وخرج.
ما أن دخلت ورأيت العقيد على كرسيه وراء مكتبه العريض
حتى طرأ على ذهني سؤال ساذج لا يمكن أن يطرأ في ذهن أحد
وهو في مثل حالتي، ألا وهو: كيف دخل هذا الشخص من خلال
هذا الباب إلى الغرفة.
كان جبلاً من الشحم لا ترى من وجهه سوى ثقبين يمكن
أن تقول إنهما مكان لعينيه، وفم غطته طبقات من الشحم، لكنه ما
أن نظر إلي حتى شعرت بالارتعاش عيناه كانتا تشعان حقداً أصفر،
حقداً مريضاً، فشعرت بالرعب يسري في كل مسامات جسدي، وعرفت من لحظتها بأني قد ضعت، ولا أحد يستطيع أن يخلصنيمن براثن هذا العميد الحقود.
جاءني صوته رفيعاً، حقوداً، سائلاً:
هل أنت آدم صاحب فندق السعادة؟
حاولت الإجابة فلم أستطع، وبالكاد خرج صوت متحشرج
من فمي:
لا سيدي.. أنا آدم الخباز.
فقال :
لا .. أنت آدم صاحب فندق السعادة.. أنت تكذب.
توسلت إليه بصوت أشبه بالبكاء، وبشجاعة نادرة: سيدي العقيد.. الله يحفظك ويخليك. أنا آدم الخباز،
أعمل في فندق الأمير الحديث، يمكن أن تسألوا صاحب الفرن عني.. اسمه الحاج آدم أبو الكرامات اسالوه.. أنا آدم الخباز. بدا لي أن العقيد لا يريد الاقتناع بأني آدم الخباز، لأنه لم ينظر إلي أصلاً، وإنما كان منشغلاً بالأوراق التي أمامه أثناء توسلي له. فجأة، شعرت بالرحمة الإلهية تهبط علي حينما دخل الشرطي
وقدم التحية قائلاً:
سيدي.. السيد الضابط آدم أبو المحاسن يسأل عن آدم
الخباز، إن كنتم، سيادتكم، قد قررتم شيئاً بخصوصه؟
أحسست بأن الشرطي الذي أعطيته هويتي كان صادقاً في
قوله بأن ثمة اشتباهاً في الأسماء لا أكثر، لكني كنت مخطئاً، وقد
اكتشفت ذلك في ما بعد، إذ قال العقيد، بترهل واسترخاء:
أنت تقرأ
مشرحة بغداد
Horrorرواية مرعبة جداً،تحاكي من زاوية أخرى الوجع العراقي الذي لا يريد أن يصل إلى نهاية أبداً،يبقى الستار مفتوحاً أن اعتبرنا العراق أكبر مسرح على الأرض ، يعرض أكثر المسرحيات تراجيدياً،حيث تقوم الجثث بأداء أدوار خانقة ، ويكون الديكور أشلاء ودماء الضحايا الأ...