ادم النمر

104 3 0
                                    

‎وأنهم لا يعرفون أنه أعدم لكنهم أرادوا أن يثبتوا ولائهم للحكومة. ومن مهازل هذا الزمان، وسخرية الأقدار فيه، أن أبناء العمومة هؤلاء، وضعوا صورة ابن العم الشهيد على أبوابهم بعد سقوط

‎النظام، وصاروا يفتخرون بأن لديهم شهيداً. وقد روى لي قصته بكاملها، وتبين لي أن الضابط آدم أبو

‎المجد قد تمت ترقيته، وهو الذي قام بتعذيب ذلك الفتى وإعدامه أيضاً. لكن ما أثارني أن هذا الفتى كان يتحدث عن أخ له، كان شيوعياً، وهرب إلى إيران، واستقرت أحواله بعد، حل وترحال، في الدانمارك، وهو شاعر وكاتب معروف، وأن هذا الفتى الشهيد يأمل أن يقوم أخوه الكاتب بكتابة رواية عن ألمه ومعاناته، ويكشف عن حجم الضيم والظلم والخديعة الذي تعرّض هو له، ويكتب عن

‎هذا القاتل آدم أبو المجد. هذا الشاب القتيل آدم النمر، من أهالي الكوت، قد تمّ

‎اعتقاله مرة أخرى في هذه الزنزانة ونُقل إلى جهة مجهولة نتيجة محاولته قتل إحدى الجثث فقبل سنتين فقط، جاءوا إلينا بجثة رجل في الخمسين من العمر، قال لنا إنه أخ المناضل البطل آدم

‎أبو المجد، الذي يقود لواء لمحاربة الإرهابيين وقتلة أبناء الشعب، وأن الإرهابيين انتقموا بقتله هو لأنهم لا يستطيعون الوصول لأخيه

‎الذي صار من رجال الحكم اليوم. حينها هجم الفتى الشهيد آدم النمر على أخي القاتل،

‎المناضل البطل والقائد الجديد، قائد لواء محاربة الإرهاب، وأحد رجال الحكم الجديد، وأراد أن يقطع رأسه، وكاد يحقق ذلك، لكن فجأة دخل علينا رجال أنيقون، ومراتب مختلفة من الحرس

‎الوطني، أخذوا الفتى آدم النمر، متهمين إياه بالإرهاب، وأعتقد

‎أنهم قرروا تقطيعه، فأقصى ما يمكن أن تعاقب الجثة به هو تقطيعها

‎إلى أوصال، أو فصل الرأس عن الجسد.

‎كان آدم يشعر بأنه مشوش، فهنا كما يبدو غرفة وليست قاعة لحفظ الجثث، ولا قاعة للتشريح، إذن ما هذا الذي يسمعه؟ هل هؤلاء أحياء أو هم قتلى وشهداء كما يدعون؟ وفكر مع نفسه، ربما لأنهم شهداء فهم أحياء ؟ لكنه أجاب على نفسه بنفسه في أن الشهداء هم أحياء عند ربهم يرزقون، وليسوا أحياء في المشرحة؟ ثم إذا ما رواه هؤلاء صحيحاً ، كيف له أن يعيش في مثل هذه البلاد، ولا يعرف ما يجري فيها ؟ كيف ينتمي لبلاد صار قتلة

‎الأمس فيها أبطال اليوم؟

‎التفت إلى الساعة الإلكترونية التي تزيّن الواجهة المقابلة له. كانت تشير إلى الواحدة والربع بعد منتصف الليل، لكن بالرغم من كل ما سمعه، فإنه لم يكتشف أين هو؟ فجأة سمع طرقاً على الجدار. خاف. أنصت قليلاً واضعاً رأسه على الجدار، فسمع صوتاً نسائياً يسأل:

‎أنتم.. يا أخوتي .. أنتم يا من هناك في الزنزانة المجاورة، هل تسمعونني؟

‎انتبه الحارس آدم بأن خلفه زنزانة أخرى، فيها امرأة، وهي لا

‎تناديه هو، وإنما تنادي الذين كانوا يتحدثون قبل قليل، آدم الخباز،

‎وآدم كاشف الليل. سمع آدم الخباز يجيبها قائلاً: نعم نسمعك. من أنت؟

مشرحة بغدادحيث تعيش القصص. اكتشف الآن