انشغالهم بالحدث. عدد لا بأس فيه من مراتب الحرس الوطني. رجال في ملابس مدنية يحاولون مع إدارة المستشفى معرفة هويات الضحايا من خلال تفتيش بعض الحقائب التي وجدت هناك والتي
تعود للضحايا بلا شك.
بعض الضحايا قد تم التعرف عليها، لأنه سمع بعضهم يتداول أسماء واحدة أو اثنين منها، وعرف أن هذه الأسماء التي يتم تداولها بينهم تعود لضحيتين معروفتين لمعظمهم، لكنه لم يعرف من يقصدون
منهن، حيث يبدو أن عائلات الضحايا لم تعرف بعد بما حدث.
ظل طوال اليوم يتحرك بين القاعة وبين الطابق الأرضي. وبالرغم من أن الدوام قد انتهى إلا أن الأطباء وإدارة المستشفى بقوا في المشرحة، لا سيما وأن بعض وسائل الإعلام والصحافيين قد وصلوا إلى المشرحة. يبدو أن بين الضحايا شخصية نسائية معروفة، أو زوجة أو قريبة، أو ابنة لشخصية معروفة ومهمة.
الصحافيون لا يأتون إلى المشرحة ولا يزورونها إلا نادراً، إلا حينما تكون الضحية من الشخصيات التي كانت مهمة أو تقرب لشخصية مهمة. بعض الصحافيين حاول التسلل إلى الطابق السفلي وتصوير الجثث إلا أن إدارة المشرحة قد منعت ذلك بشكل تام، وقد كان هو في الطابق السفلي يتصدّى لكل من يريد التسلل إلى القاعة حيث الجثث بعضهم حاول بشتى الطرق، بل وعرض عليه شيئاً من المال مقابل السماح له بالتصوير، لكنه رفض بشدة. ظل بعض المصورين يحومون حول المشرحة حتى أول الليل، لكنهم انسحبوا جميعاً بما فيهم إدارة المشرحة وكل العاملين فيها، ولم
يبق إلا الكادر الخفر.
أحس الحارس آدم بالراحة من ذهاب الجميع، فهو يعرف
أن من تبقى لن ينزل إلى الطابق الأسفل، ولن يتسلّل أي منالصحافيين إلى قاعة التشريح.
الليل في بغداد مرعب شوارع مقفرة وزوايا معتمة يطن فيها الصمت. لا كهرباء ولا أضواء، ولا دبيب حياة، إلا في بعض المناطق التي يسكن فيها بعض السياسيين وقادة الأحزاب، والتي تضم بعض المطاعم، وبعض المحلات التجارية، والتي تعج بجيش كامل من أعوانهم ومن رجال الحرس الوطني. العتمة هي
التي تلون الحياة والموت في بغداد.
حين ينتهي الدوام الرسمي تقفر المشرحة، وتتحول إلى مكان خارج الزمان والمكان خارج التاريخ. يختفي الكون كله، وتنتقل الحياة في بغداد إلى مشرحة، ففيها صورة الحياة والموت في
المدينة المظلمة.
وبالرغم من أن المشرحة تكون شبه خالية من الموظفين والأطباء في الليل، سوى الطبيب الخفر ومساعده، إلا أن الطابق الأعلى يضج بأصوات غريبة، وبحركة سرية، لكنها واضحة ومسموعة أيضاً. وتستمر الأصوات والحركة إلى الساعات الأولى بعد منتصف الليل. وبالرغم من أن الحارس آدم سعى إلى معرفة مصدر هذه الأصوات والحركة، ولم يكن أمامه سوى أن يسأل مساعد الطبيب الخفر، إلا أن هذا المساعد لم يساعده في إعطاء الإجابة وإنما زاده غموضاً، حينما حذره من أن يسأل غيره وإلا
فإنه سيحجز في مكان لا مخرج له منه.
زادت حيرة الحارس آدم، فهذا الغموض الذي تضمنته كلمات
مساعد الطبيب أثارت فضوله أكثر لمعرفة ما يجري في الطابق
أنت تقرأ
مشرحة بغداد
Hororرواية مرعبة جداً،تحاكي من زاوية أخرى الوجع العراقي الذي لا يريد أن يصل إلى نهاية أبداً،يبقى الستار مفتوحاً أن اعتبرنا العراق أكبر مسرح على الأرض ، يعرض أكثر المسرحيات تراجيدياً،حيث تقوم الجثث بأداء أدوار خانقة ، ويكون الديكور أشلاء ودماء الضحايا الأ...