من قناة في الوقت نفسه، لكنه انتبه إلى أن من يشاهدهم على شاشة التلفزيون، بمن فيهم المسؤولون عن مصير البلاد، يبدون وكأنهم يضعون أقنعة على وجوههم، لأنهم يشبهون الموتى بعد التشريح وخياطة الجسد. لا سيما في منطقة الصدر وأعلى الجبين
عند حدود فروة الرأس. فكر الحارس آدم مع نفسه لماذا هو يعمل في المشرحة، أليس هناك وظائف أخرى يمكن أن يعمل فيها؟ فحتى أمه الوحيدة صار لا يراها، فقد مضت عليه أكثر من ستة أشهر لم يقم بزيارتها،
لماذا؟ هو نفسه لا يدري سبب عدم زيارته لأمه. انتبه إلى أن الوقت يمضي بسرعة، فها هي الساعة قد قاربت الحادية عشرة، إذن عليه أن ينتظر ساعة أخرى ثم يقوم بجولته الليلية. فجأة، سمع طرقاً على باب غرفته. نظر من البؤبؤ الزجاجي
الذي يتوسط الباب، فرأى مساعد الطبيب ينظر إلى العين الزجاجية للباب من الجهة الثانية، توقف للحظة سائلاً نفسه عن سبب مجيئه،
ولم يكن أمامه سوى أن يفتح له.
كان مساعد الطبيب واقفاً. ظل للحظات يتأمل وجهه وكأنه يحاول أن يستكشف من ملامحه شيئاً خفياً، ثم ابتسم ابتسامة ذات معنى، وسأل:
ما الذي جرى يا آدم؟
ماذا؟ أجاب مستغرباً.
لماذا لم تقم بجولتك الليلية لحد الآن؟
سأقوم بها في ما بعد.
لا .. يجب أن تقوم بها الآن، لأن الطبيب الخفر يريد أن
ينام، ولا يريد أي إزعاج، أو شخص يصعد إلى الطابق الأعلى حيث ينام، وهو لا يسمح بذلك بعد منتصف الليل.. فإذا أردت أن تقوم بجولتك الروتينية فعليك أن تقوم بها الآن، وليس في ما
بعد.. وإلا عليك إلغاؤها الليلة.
- هذا أفضل لك أن تقوم بها قبل منتصف الليل، لأني
لكنني سأقوم بها حالاً.
انتبهت أنك تأخرت هذه الليلة، فقلت ربما أنت مندمج مع أحد
أفلامك ولم تنتبه للوقت.
لا.. أبداً.. سأقوم بها حالاً..
إذن.. إلى الغد.. لأني سأذهب للنوم.. فلقد كان يوماً مرهقاً..
قال المساعد ذلك وذهب، بينما ظل الحارس آدم واقفاً للحظات، أغلق الباب. جلس على الصوفة. ضغط على الريموت كونترول موقفاً البث التلفزيوني لم يكن مقتنعاً بكلام المساعد في أن الطبيب الخفر يريد النوم، ولا يسمح بالتفتيش بعد منتصف
الليل، بل هناك سر، وعليه أن يكشفه.
وبالرغم من أنه وعد المساعد بأنه سيذهب حالاً في جولته
الاعتيادية، إلا أنه قرر مع نفسه بأن سيصعد إلى الطابق الأعلى بعد
منتصف الليل. فجأة اهتزت الغرفة والمشرحة كلها من صوت هادر
هائل. لقد اهتزت السماء بالرعد والبرق، وهطلت الأمطار بشكل
مفاجئ وسريع وعلى غير توقع من مرصد الأنواء الجوية الذي
يعلن تقديراته يومياً من خلال شاشة التلفزيون.
سمع صوت المطر يسقط على الإسفلت خارج المشرحة
أنت تقرأ
مشرحة بغداد
Horrorرواية مرعبة جداً،تحاكي من زاوية أخرى الوجع العراقي الذي لا يريد أن يصل إلى نهاية أبداً،يبقى الستار مفتوحاً أن اعتبرنا العراق أكبر مسرح على الأرض ، يعرض أكثر المسرحيات تراجيدياً،حيث تقوم الجثث بأداء أدوار خانقة ، ويكون الديكور أشلاء ودماء الضحايا الأ...