وأزواج فقط، وإنما أصدرت أمراً سرياً بإلقاء القبض على النساء، أخوات وبنات المعدومين من الرجال، وتترك المرأة المتزوجة، وكانت التعليمات تؤكد على اغتصابهن، وإزالة بكارتهن، ومعاقبة هذه العائلات بتكليلهم بالعار، لكني أذكر جيداً، بأن أحد الضباط العاملين في الجهاز السري للحكومة، أبلغ أهالي العائلات المنكوبة بالقرار، ودعاهم إلى الفرار، وهذا ما تم، حيث هربت مئات الفتيات إلى محافظات أخرى، أو هربن إلى عشائرهن في
الريف، ومنهن هاجرن إلى البلد المجاور.
حينها صارت البصرة ضيقة عليّ، وخطرة بالنسبة لي، تسللت إلى محافظتي ثانية، لا سيما وأن أحوال البلاد كانت مفككة، بحيث يمكن الزوغان من براثن السلطة. لكن لم أكن أعرف أني أتوجه
لمواجهة قدري.
هناك في محافظتي، سكنت مع صديق لي، من عائلة متدينة. كان صديقي يعيش مع أخته، وهي فتاة جميلة، ومهذبة، وملتزمة دينياً، ولم نتأخر كثيراً، وبدون رسميات كثيرة، زوجني صديقي أخته. لكن ظروف عملنا السري لم تتح لنا الحياة المستقرة الآمنة،
لذا كنا، أنا وأخي زوجتي نتنقل كثيراً.
بعد سنة تقريباً، رزقنا أنا وزوجتي بطفلة رائعة الجمال أسميتها حواء، تكريماً لأمنا حواء أم البشر، لكني مع الأسف لم أستمر بالعيش لأراها تكبر أمام عيني، ففي إحدى المرات التي
كنت أزور فيها زوجتي، وكان أخوها عندنا في البيت أيضاً، تمت مهاجمتنا نتيجة معلومات لا نعرف كيف وصلت إلى السلطة، لأننا كنا ندخل المدينة سراً ونخرج سراً. المهم، تم إلقاء القبض علينا. ولم يطل الأمر كثيراً، فقد مات أخو زوجتي تحت التعذيب، بينما
أنا نقلت إلى سجن أبي غريب. هناك قابلت ضابطاً من محافظتي ما زلت أذكر أسمه، آدم أبو المجد. كان أبو المجد يقوم بتعذيبي يومياً، بل أحياناً يقوم بذلك مرات عدة في اليوم الواحد. كان لا يكتفي بالتعذيب وإنما يوجه
الشتائم لي، ويسيء لسمعة زوجتي. هذا الضابط نفسه جاء ذات فجر، وأخذني مع بعض الأخوة، إلى سرداب، أشبه بمخازن فارغة للعتاد العسكري، وهناك أطلق الرصاص علينا. وحده كان وليس معه أي من فريق الإعدام الاعتيادي، وكأنه كان ينتقم منا شخصياً، ولكي يخفي هذا الضابط المجزرة التي اقترفها، أخذ يوزع جثثنا على المشارح، واستقر بي المقام هنا منذ سنوات، لا أحد يسأل عني، ولا جهة فكرت
بالاستفسار عن هويتي. ما أصابني بالخيبة والأسى والحسرة، ولا أريد أن أقول الندم، لأنني، والآلاف الذي ضحوا بأنفسهم، قمنا بذلك عن إيمان وقناعة، لكن كان معنا، قبل أن يأتوا بنا إلى هنا، شاب من أهالي الكوت، شاب في بداية العشرينات من عمره، اسمه كما أذكر آدم النمر، كان يعمل في مديرية الصحة بالمحافظة، وكانت جريمته أنه يذهب إلى الجامع القريب من بيتهم، وأنه يزور العوائل الفقيرة ليحمل لهم بعض الدواء، فتمّ اعتقاله وتعذيبه، وإعدامه.
الغريب أن أبناء عمومة الفتى آدم النمر، بعد أن عرفوا باعتقاله، وإعدامه، ذهبوا جميعهم إلى دائرة الأمن والمخابرات وقدموا براءة
دم منه. والمضحك المبكي في الأمر أن رجال الأمن حققوا معهم
أيضاً، مستفسرين عن مصدر المعلومات التي أكدت لهم بأنه أعدم،
فأخذوا يختلقون القصص حول ابن عمهم، زاعمين أنه مخرب،
تردون اكملها،؟؟
أنت تقرأ
مشرحة بغداد
Hororرواية مرعبة جداً،تحاكي من زاوية أخرى الوجع العراقي الذي لا يريد أن يصل إلى نهاية أبداً،يبقى الستار مفتوحاً أن اعتبرنا العراق أكبر مسرح على الأرض ، يعرض أكثر المسرحيات تراجيدياً،حيث تقوم الجثث بأداء أدوار خانقة ، ويكون الديكور أشلاء ودماء الضحايا الأ...