التفت الضابط لي وقال بلهجة فيها مواساة وتحذير: اسمعيني يا أختي لا أدري عن أي شيء تتحدثين، وسواء كان ما تقولينه صحيحاً أم لا ، فنصيحتي لك أن تنسي كل ذلك، ابنك، وعالم السجن، وما كان يفعله هناك، فلست ممن يستطيع مواجهته. اسمعيني إذا أردت البقاء حية. قادتنا الجدد الذي جاء معظمهم من الخارج لا يعرفون شيئاً عن الذين كانوا بقوا هنا، فهم يثقون بكل من هب ودب نحن نعرف الكثير، لكننا نخاف أن نتحدث، فهؤلاء لا يترددون من إبادتنا مع عوائلنا، وإلقاء التهمة على الإرهابيين. اذهبي لحالك، فأنت أثرت على نفسك اليوم عاصفة لا أعتقد أنها سوف تنتهي بسلام.. اختفي من أمام عينيه. لا .. أنا زوجة شهيد وأخت لشهيد، وإذا ما كان زوجي شيوعياً، ولا حظ لجماعته في الحكم، فإن أخي من الإسلاميين،
وهو شهيد، وأنا كنت سجينة سياسية.
- يا أختي .. افهميني جيداً .. أنصحك بالابتعاد عن هؤلاء.. فحتى لو صدقك بعض الشرفاء، إلا أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً.
حينما صرت في الشارع كنت كالمجنونة فعلاً. أهذا هو
الحال الذي كان يحلم به أخوتي وزوجي وبقية الشهداء حينما ضحوا بأنفسهم. أهذه هي البلاد التي كانوا يحلمون بها؟ لا أدري ما الذي جرى بعد ذلك، لكني صرت أحس بأني مراقبة، وهناك أشباح تظهر وتختفي من أمامي حينما أتنقل.
وذات يوم كنت في طريقي إلى إحدى الجمعيات النسائية التي تقودها بعض الأخوات المجاهدات، من زوجات الشهداء،
وأخواتهم، وقبل أن أصل إلى مقر الجمعية، وعند منعطف الشارع، اصطفت سيارة بيضاء جانبي، سيارة من نوع البيجو، وقفز منها اثنان أمسكا بي وأدخلاني إليها عنوة، وانطلقوا بي إلى مكان
مجهول.
أخذوني إلى مكان خارج بغداد، لأن الطريق كان طويلاً، وكنت معصوبة العينين، فلم أعرف أي اتجاه سلكوا. وأخيراً توقفت السيارة، وأخرجوني منها، وأدخلوني إلى مكان ما، ثم رفعوا العصابة السوداء عن عيني، فوجدت نفسي في غرفة مؤثثة بشكل جيد، وبدا المكان وكأنه شقة سكنية، ورأيت أمامي رجلين أنيقين، ووسيمي الوجه، بلحى خفيفة. ابتسما لي وقالا لي أهلاً وسهلاً بك. ثم أخذا يطرحان الأسئلة علي، عن تفاصيل حياتي كلها، وانتهوا بالسؤال عن سبب زيارتي للداخلية قبل أيام، فشرحت
لهم كل شيء. الغريب أنهما لم يفاجأ أي منهما حينما أخبرتهما عنه، وعن اغتصابه للسجينات، وقصتي معه. وبعد أن انتهوا من التحقيق معي
خرجا. ويبدو أنهما غادرا المكان.
بعد ذلك دخل علي اثنان تبدو ملامح الشر على وجهيهما ونظراتهما، ولم ينتظرا طويلاً، إذ أخذاني من مكاني وأدخلاني غرفة يتوسطها سرير نوم عريض، وبدون أي كلام، ألقياني على السرير، واغتصباني معاً، كل منهما كان منشغلاً بقسم من جسدي. الصراخ، الشتائم، التهديد التوسل، كل ذلك لم ينفع معهما. وحينما انتهيا مني سحلاني إلى غرفة الحمام، وهناك أطلق واحد
منهما رصاصة على صدري. ثم لفاني وأتيا بي إلى هنا. ومن كان هذين اللذين حققا معك ؟
أنت تقرأ
مشرحة بغداد
Horreurرواية مرعبة جداً،تحاكي من زاوية أخرى الوجع العراقي الذي لا يريد أن يصل إلى نهاية أبداً،يبقى الستار مفتوحاً أن اعتبرنا العراق أكبر مسرح على الأرض ، يعرض أكثر المسرحيات تراجيدياً،حيث تقوم الجثث بأداء أدوار خانقة ، ويكون الديكور أشلاء ودماء الضحايا الأ...