ستة عشر: زنبقةٌ برتقالية.

315 64 521
                                    


"I like people who dream or talk to themselves interminably; I like them, for they are double. They are here and elsewhere."

-Albert Camus, The Fall

=============

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.

=============

لو كنتُ سأفكرُ قبلَ ساعةٍ عن أيْ شعورٍ ذلكَ الذي سينتابني إن تذكرتُ أحداثَ اليومِ بعدَ فترةٍ... فجلُ ما سأخرجُ به سيكونُ قاتمًا مُربكًا وداعيًا للغضب. بدايةً من ذكر أمرِ آشر، مرورًا بلقاء المتجر الغريبِ ذاكَ وانتهاءً بحديثي مع أبي- لم يكن أيُها رائعًا أو داعيًا للبهجة.

لكن من كان يتوقع أنْ أجدَ اليومَ قد مضى ثُلثاه وجوهُ حالَ غائمًا باردًا... ولم أجدني وقد انتهى بي الأمرُ أجلسُ على مقعدِ حديقةٍ فارغةٍ أتأملُ الفراغَ وبوديَ البكاءُ على كل شيء؟ بل من كانَ يتخيلُ أنْ أجد نفسي وقد حصلتُ على وقتٍ قلبي فيه أخفُ ثقلًا مما كان عليه لأشهر- وكأنني وجدتُ مكانًا آخر أنتمي إليه وإن لم أدخله مُسبقًا في حياتي؟

«جوٌ جديدٌ أنتمي إليه بالأحرى،» ارتشفتٌ بعضًا من قهوتيَ المثلجةِ وأعيني راقبت ما في الخارجِ من أشجارٍ تتحركُ بفعلِ الريح. كُلُ ما أسمعه نغمةٌ مريحةٌ للبيانو- ضجةٌ الشارعِ بالكادِ تُسمعُ مع حديثٍ خافتٍ لزبائن آخرين... مذاقُ القهوةِ منعشٌ والجوُ برمته (تصميمًا وإنارةً وما رافق ذلك) أعطاني شعورًا غريبًا بالدغدغةِ وكأنما طالما انتميتُ إلى أجواءٍ كهذه وإن لم أُعطِ نفسي الفرصةَ قبلًا لعيشها، ظنًا مني أنَّ كل ما أريده هو العملُ بجدٍ للدرجةِ التي تجعلني أنامُ دونَ امتلاك طاقةٍ للتفكيرِ في شيءٍ البتة.

وأنا الآن أتساءلُ عمّا إن كانَ ذلكَ مجردَ هربٍ من كل ما هوَ حقيقيٌ أمام أعيني.

لربما في مراحلَ مختلفةٍ انتهى بيَ الحالُ أغبطُ من هم في سني لشدةِ ما بدت الأمورُ تلقائيةً بالنسبةِ إليهم وفي نفسِ الدقيقةِ أزفرُ حانقةً من نفسي لأنني من اختارَ أن يعيش حياةً كهذه...

شيءٌ كان يخبرني أنّ العيش بتلك الطريقةِ سيجعلني لا أشعرُ وكأنما أفسدتُ كل شيءٍ عندما أكبر لمجردِ أنني أتكاسل، وشيءٌ آخرُ لطالما حثني على عدم محاولة التفكير في قدرِ نجاعةِ فعل ذلك.

أما الآن- وبعدَ ثمانِ سنواتٍ وما يزيدُ من الدورانِ في الدائرةِ نفسها، أعلمُ أنني (وإن لم أكن أفسدتُ حياتي) على الأقل جعلتها باهتةً أكثرَ مما كنتُ سأتخيلُ أن تفعل في أسوأ الأحوال... ولو رأتني نفسيَ صاحبةُ الأعوامِ السبعِ لربما تفقدُ رغبتها في إكمالِ حياتها وحسب.

«لم يكن يجدرُ بيَ استنكارُ ردةِ فعل والدي على حالي حقًا،» أرحتُ رأسي على كفي أتأمل الطريق بمن فيه وذكريات غريبةٌ عن تلك الأيام عادت تتهافت على عقلي لوهلة- ذلك النوع الذي لم أكن لأذكره طوعًا طيلة الأعوام الفائتة.

تَلاشي || Kadotaحيث تعيش القصص. اكتشف الآن