الأول

42.1K 729 645
                                    

تتذوق السعادة لتجد نفسك تحلق في السماء مسرورًا وأنت تشعر بأن وزنك أصبح خفيفًا وأنك لم تعد مثقلًا بالهموم، حتى يختفي ذلك التأثير لتجد جسدك أُثقل مجددًا ليرتطم وجهك بالأرض الصلبة موقظًا إياك ليخبرك بسخرية:
" ما كانت سوى لحظات تلتقط انفاسك بها، هيا عد لما كنت عليه".

"صلوا على نبي الرحمة".

.

______________________________

بداخل احد الأحياء الشعبية المزدحمة والمكتظة بالسكان، دخل ذلك الرجل المنهك أحد العمارات العتيقة ليصعد السلالم بصعوبة وقد اشتدت عليه آلام ركبته لكنه تحمل حتى وصل إلى الطابق الثاني، وضع أكياس الفاكهة التي يحملها جانبًا ليخرج مفاتيحه العديدة من جيبه لتصدر صوتًا مميزًا جعل هتاف جميل يطرب اذنه كلما سمعه يأتي له من داخل البيت:

- يا بنات دا بابا جه! .

رسم ابتسامة واسعه على وجهه المنهك وهو يفتح الباب بسرعة ليجد بناتِه الثلاث يركضون إليه يحتضونه بشوق.

اتسعت ابتسامته الحنونة وهو يحمل الصغيرة "ليلى" من بينهم على كتفه بينما يقول بحب:

- حبايب قلب بابا، جبتلكم كل اللي طلبتوه، وجبتلك كمان يا أرين علبة الألوان اللي طلبتيها مني.

أمسكت أرين الأخت الكبرى هنا والتي تبلغ من العمر خمسة عشرة عامًا، يد والدها تقبلها بحب وهي تنطق بأدب:

- ربنا يخليك لينا يا بابا وميحرمناش منك ابدًا ابدًا.

كررت "ليلى" التي لم تتخطى الثلاثة عشر عامًا جملة اختها الكبرى ليقهقه الحاج "عمران" بسعادة ليقبل وجنتها بحب ثم انزلها من على كتفه قائلًا بحنان بالغ:

- يلا كل واحدة تروح تشوف وراها ايه على ما اجهزلكم الأكل.

كان على وشك التحرك حتى نطقت أدينا بخبث بعدما رمَت اختها "أرين" بنظرة جانبية التقطتها الأخرى بسرعة لتنقلب ملامح وجهها إلى الصدمة وهي تحاول منعها من قول ما ستقول لكن فات الأوان، لتنطق أدينا الأخت الوسطى بينهم:

- علي جه تاني هنا يا بابا.

أنهت جملتها لتتعكر ملامح والدها وهو يزفر بغضب قائلًا:

- استغفر الله العظيم، الواد ابن الجيران ده جه هنا تاني ليه يا أرين مش قولتلك متكلميهوش تاني؟!.

شعرت أرين بالرعب وهي تنفي بسرعة:

- لا لا يا بابا مكلمتهوش، هو كان عايز يوريني العجلة الجديدة اللي جابها بس انا اللي قولتله لأ.

اماء لها والدها وهو يقول بتأييد قوي ومضحك في ذات الوقت:

- ايوا كدا جدعة حبيبة بابا، مبحبش انا العيال الملزقة دي، الواد يادوب لسه شنبه مخطط وكل ما يشوف وشي يقولي عم عمران عايز اتجوز أرين، هي ناقصه هطل؟! .

شوارب ورديةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن