الفصل الثاني :الضّياعُ في المَجهول (٤)

158 2 0
                                    

وفجأة، ظهر ذلك الوحش، يبدو كنمرا أسود اللون يمتلك أنيابا طويلة، ارتفاعه عن الأرض يقرب المترين، لم أشاهد بعمري مثل ذلك المخلوق لا حقيقة ولا على الهاتف، صوت زئيره كان مخيفا جدا يبعث في نفس سامعه الرعب، أصبح هذا الحيوان يراقب من حوله، تارة ينظر إلى الجدول حيث الغزال، ولكنه يبدو أنه خائفا من الإقتراب من الماء كثيرا، وتارة يوجه بنظره حيث كنا وكأنه يرانا، تلك النظرة جعلتني أتشبث بذراع كمال وأنا أرتعد من الخوف، ولا أدري لما سعدت بلمسي كمال رغم هذا الموقف الصعب.

أصبح هذه النمر يخطو بخطوات بطيئه نحونا، وكأنه يعلم بوجودنا خلف تلك الأشجار، نور كانت ستركض هاربة عندما ظنت أنه لا مجال للإنتظار، وأننا سنكون وجبة سائغة لذلك المخلوق، أمسكها عمر بقوة، وتوسل إليها أن تثبت في مكانها، صوت تحرك الأشجار جعل النمر يتوقف ويسكن مكانه، وأصبح يلتفت برأسه، واشتم شيئا جعله بأقصى سرعة يتجه نحوه بعيدا عنه، تنفسنا الصعداء حينما ابتعد، ولكننا من الخوف لم نتحرك قيد أنملة، حتى نتأكد من ابتعاده كفاية، وحينها كان صوتا بشريا يسغيث، وأصبحنا بسرعة نتفقد بعضنا ونتسائل من منا ليس موجودا، يبدو أن أحدنا قد هرب من دون أن نلاحظه.

صيحات طلب النجاة اختفت حينما قرر هذا النمر إسكاتها، عم الصمت المريع في المكان، صوت هدير الماء كان يكسر هذا الصمت، ولم نجرؤ إلا بعد إنقضاء ساعه كاملة عن الخروج من مكاننا، وبحثنا سريعا في المكان، لم نجد سوى آثار دماء ذلك الرجل الذي كان يستغيث بنا، ونحن لم نحرك ساكنا في محاوله انقاذه، وماذا عسانا نفعل مع ذلك الوحش الكاسر.

وضع كمال يده على رأسه وقال بحزن شديد
(ذلك ثاني شخصا نفقده، ولم يمر وجودنا في هذا الجحيم إلا بضع ساعات)
رد عمر (تقصد ثالث شخص أنسيت جابر؟؟)

رد أحمد (ربما يكون هذا الشخص جابر، ومن المعقول أيضا ان هذا الشخص لم يكن برفقتنا)

قالت نور وهي ترتجف من تلك الفكرة(ماذا؟! هل هناك غيرنا في هذا المكان؟)

أجابها أحمد( ربما لا أدري، كل الإحتمالات واردة)

قاطعه كما قائلا( يجب علينا تمييز أنفسنا، حتى لا نفقد المزيد ونحن لا نعلم ذلك)

رد عمر موافقا (أظنها فكرة رائعة، ولكن كيف يكون ذلك؟؟)

(نعطي لكل شخص منا رقم وسأبدأ أنا برقم واحد)

رد عمر مازحا (لا رقم واحد لي أو تعلم أنا أتشائم من الأرقام الفردية، سأختار رقم اثنان)
وأصبح كل شخص يختار رقما متتابعا، حتى وصلنا للرقم ثمانية عشرة، وفور إنتهائنا، قال كمال

( سنتفقد أنفسنا كل ساعة، بذكر كل شخص رقمه حتى نطمئن أن الكل ما زال موجودا)

نظر أدهم إلى مكان وجود الغزال وقال
( ماذا سنفعل بهذا؟ إننا جائعون ولا نستطيع الصبر أكثر، إننا بالكاد قادرين على الوقوف)
ثم نظر إلى زوجته حنان وقال لها( أليس كذلك يا عزيزتي؟؟)
ابتسمت ابتسامة خافتة وردت ببرود (بلى)

قال كمال( سنمشي به حتى نجد مكانا أكثر أمانا، لا نستطيع المخاطرة بفعل أي شيء هنا)

قال عمر (هذا الشيء يزن أكثر من طن! نحتاج إلى شاحنة لحمله) قال ذلك متذمرا مما قاله كمال.

رد كمال (كفاك شكوى يا عمر، لا تتصرف كالفتيات)

قلت له بغضب (وكيف تتصرف الفتيات سيد كمال؟؟)

نظر كمال إلى عمر وقال (أقصد هكذا) وأشار لي بيده، ضحك الرجال على ذلك وبالطبع لم يعجبنا نحن الجنس اللطيف ما قاله كمال.

ربط الرجال الغزال على أغصان الأشجار، كان ثقيلا جدا وبالكاد استطاعوا حمله والمشي فيه، كانت خطواتنا ثقيلة وبطيئة للغاية، أما عمر فقد كان لديه بعض الطاقة، لأنه كان يلتهم من الفاكهة، دون أن يكترث لكلام أحمد، ورمق عمر أحمد بنظرة تدل على السخرية وقال( هل ستأكل من لحم هذا الغزال؟ أم أنك تراه غريبا أيضا، أخشى ان تكون نباتيا)

ضحكنا جميعا على ذلك، وما انتهى عمر من كلامه حتى توقف عن المشي وعينه قد احمرت كثيرا وبدأ بالركض نحو نور ولكمها على وجهها، فوقعت نور على الأرض، وكان سيستمر بضربها لولا أن أدهم ركله وثبته، لم أكن مصدقة لما فعله عمر، بدأت سريعا بمسح الدم عن وجه، نور التي نهضت وبدأت بالشتم ووصف عمر بكلمات سيئة، وكانت تقول وهي تهاجمه

(أيها السافل المعتوه، لابد وأنك تناولت شيئا غبيا لتفعل كل هذا، ماذا؟؟ أتظن نفسك رجلا حينما تعتدي على فتاة)

بدأ كمال بتفتيش عمر لكنه لم يجد شيئا في جيوبه يدعم كلام نور، قيد أدهم عمر خوفا من أن يكمل حماقاته تجاه نور أو أي شخص آخر.
ظن أحمد أن ما أكله عمر قد أذهب عقله وجعله مخمورا،
عاتبت حنان زوجها على تدخله وغضبت كثيرا وقالت له( كان يجب عليك ألا تقحم نفسك في مشكلة لا تخصك، أم أنك اعتدت حياه رجال العصابات)

لم يعلق أدهم على ما قالته بل اكتفى النظر لها نظرة تدل على عدم رضاه بالطريقة التي تتصرف بها معه، توترت حنان كثيرا وبدأت بقضم أظافرها.

أكملنا طريقنا حتى أفاق عمر أخيرا، مستغربا من أنه مقيد، وبدأ بالصراخ أن يفكه أحدنا، معتقدا أنها مزحة طريفة من أحدنا، كان جاهلا بالذي فعله وأصبح في حالة عصبية شديدة، يصرخ و يشتم، حتى اقترب منه أدهم وأمسك بقميصه وقال له بكل غضب

(اسمع يا هذا، إما أن تصمت وتكمل طريقك بهذه الهيئة، أو سأفك قيدك، ولكن سيكون مصيرك كمصير جابر، أفهمت هذا؟؟)

رد عمر مستغربا( ولكن لما كل هذا؟؟ ماذا فعلت؟؟)

رد أدهم غاضبا (أيها الغبي) وأمسك برأسه موجهه نحو نور وأكمل قائلا ( انظر لوجهها)

اقترب عمر من نور متسائلا( أنا من فعل بك هذا؟؟ ما الذي يحدث هنا؟؟)

صفعته نور صفعة قوية على وجهه جعلت وجه عمر يحمر كثيرا وبدا كأنه يغلي، وفي لحظة ضعف منه تساقطت دموعه. حينها تأ كد الجميع بأن عمر بالفعل كان مغيبا عن الواقع حينما فعل فعلته.

موقف صعب آخر يضاف إلى كومة تلك المواقف منذ وصولنا هذا المكان، فهذا المكان يحولنا شيئا فشيئا إلى أناس آخرين، أو أنه يكشف أسوأ ما فينا رويدا رويدا، ما أقلقني حقا هو موقف أدهم الأخير. كيف تحول من شخص هادئا مسالما إلى آخر يتصرف بالفعل كأنه رئيس مافيا أو ما شابه، ربما كان كردة فعل لعلاقته المتوترة مع حنان.

 الأرض الضائعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن