الفصل الثالث :الجاذبية (٦)

85 1 0
                                    


حين صعدنا الجبال، ظننا أن المكان هناك سيكون خالياً موحشاً، وربما تسكنه بعض الوحوش الكاسرة. لكننا تفاجئنا بوجود منشأة ضخمة يخرج منها دخان كثيف. سألتها باستغراب شديد: "منشأة هنا؟" هل تقصدين...؟" قاطعتني لارا وأكملت: "منشأة حديثة، يا سالي، هي تشبه المنشأة للطاقة النووية. رأيت مثلها في إحدى المواقع من قبل، أقصد على الهاتف. الحقيقة، وجود مثل ذلك المبنى في هذه المنطقة جعلنا نتردد في الاقتراب أكثر، خصوصاً حينما رأينا بعض الأشخاص هناك."

سألتها: "كيف يبدو هؤلاء الأشخاص؟" ضحك سالم من سؤالي وقال لي بسخرية: "كانوا مخلوقات فضائية." ثم سكت قليلاً وأكمل قائلاً: "كيف سيبدون؟ كانوا أشخاصاً مثلنا."

قلت له بغضب: "لم أقصد ما تبادر إلى ذهنك، ما قصدته هو: كيف هو لباسهم؟ كيف هي صورهم؟ أقصد أنهم....." بالحقيقة لم أستطع إيصال فكرتي لهم، وبكل سذاجة أكملت كلامي: "هل فهمتم ما أقصده؟"

قالت لارا: "أفهم ما تقصدين. هم أيضاً دخيلون على هذا المكان. ربما قدموا من نفس العالم الذي كنا فيه." خفت من كلامها وسألتها: "وهل نحن الآن في عالم غير عالمنا؟" ابتسمت لارا لي وقالت: "وهل تشكين لحظة في ذلك؟ نحن هنا في عالم وزمن مختلفين عن الذين عهدنا."

تبادر إلى ذهني حينها  سؤالا عن هؤلاء الأشخاص، فسألت لارا: "وماذا كان يفعل هؤلاء الأشخاص في الخارج؟" أجابت لارا: "كانوا يتفقدون المنشأة وكأنهم كانوا خائفين من حدوث شيء سيء، خصوصاً من الزلازل."  سألتها باستغراب: "الزلازل؟"

أكملت لارا قائلة:" الزلازل في الجبال تنشط بشكل كبير، وربما ذلك صنع بعض التصدعات في المنشأة." سألتها: "وبرأيك، ما سر تلك المنشأة؟ ولم تم صنعها في هذا المكان البدائي إن كانت منشأة للطاقة كما تقولين؟ لم يحتاجون الطاقة هنا؟"

قالت لارا: "لقد طرحنا مثل هذا السؤال على أنفسنا، ولكننا لم نجد أي إجابة. قررنا الرحيل خوفاً من أن يجدنا أحدهم ونعرض أنفسنا للخطر. لكن علي كان له رأي آخر، أن ننتظر ونراقب المكان لنقتحمه حتى نعرف طبيعة تلك المنشأة."

سألتها: "وهل عرفتم سرها؟" أجابت لارا إجابة صادمة حيث قالت: "لقد اختفت. اختفت تلك المنشأة فجأة حينما استيقظنا من النوم. تخيلي أنها كانت موجودة بالليل واختفت في الصباح." غرابة تلك القصة جعلتني أيقن أننا في عالم آخر غير عالمنا، عالم يفتقر إلى المنطق والعقل، والألغاز تتزايد يوماً بعد يوم.

قررت الرجوع إلى كمال والبقية حتى لا يقلقوا، وتبادر إلى ذهني أن الجميع الآن يبحثون عني. حذرتني لارا قبل مغادرتي من الوثوق بأحدهم في هذا المكان الموحش وقالت لي مودعة: "إن احتجتني ستجديني هنا، حتى إن لم يكن أحد هنا إنتظري حتى نرجع."

رافقني سالم ليدلني على الطريق لأتمكن من الرجوع، ويا لها من حسرة حينما بدأ سالم بمغازلتي وإظهار الإعجاب نحوي، وكأن فقط هذا ما كان ينقصني. الحب والعشق هنا لا معنى له، حتى إن كان ممتلئاً بقلبي نحو شخص واحد. ولكن هنا عالم وهمي أو حلم قد يئس صاحبه من الاستيقاظ. ربما  الأشخاص هنا وهميون أيضاً.

 الأرض الضائعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن