الفصل الأول :رحلة على متن السفينة(٦)

226 5 6
                                    

هممت أنا ونور بالصعود إلى أعلى، تلك الفتاة كانت فزعة بشكل مقلق، خائفة حتى درجة الفزع، تبكي بلا توقف، تتوسل لله دون ملل، ملامحها بريئة ولكنه كان كالقناع يخفي شخصا آخر خلفه، لا أدري، لم أتعاطف معها بالرغم من حالتها.

وصلنا سطح السفينة، ولم أجد كمال حيث تركته، المطر ما زال شديدا، والسماء مضيئة بضوء البرق كأن الصباح قد بدأ، وفي مكان ليس ببعيد عن السفينة صواعق رعدية تشكلت كالجدار تضرب بقسوة مياه البحر، لم أرى مثل ذلك في حياتي، كانت السفينة تتجه نحو الصواعق بشكل سريع، وأصبحت تغوص شيئا فشيئا نحو الأسفل، دقائق معدودة والسفينة ستغرق لا محال، وإن نجت من الغرق لن تنجو من الصواعق، (بالتأكيد سنهلك، يا إلهي ما زلت صغيرة، وأنا بالحقيقة لا أريد أن أموت..).

تذكرت أختي لارا، لا أعلم كيف غابت عن بالي للحظات، أصبحت أبحث عنها في كل مكان، وسط جموع كبيرة من الناس، كنت كالذي يبحث عن إبرة في وسط قش، ناديت بأعلى صوتي(لارا، لارا، أين أنتي يا لارا؟؟؟)، حتى تهاوت قوتي، وجثوت على ركبتي، وبكيت بصوت عال، ساعدتني نور بالنهوض، وشجعتني لمواصلة البحث.

لمحت كمال وهو يحاول صعود إحدى قوارب النجاة، ذهبت إليه مسرعة، ووضعت يدي على كتفه لينتبه لي، نظر إلي ولكنه زاح بنظره سريعا، وكأنه لا يعرفني، سألته(هل أنت بخير؟؟)، لم يبدي لي أي إهتمام، (يا لحماقتي، كيف أسأله عن حاله وسط تلك الظروف!! ماذا كنت أنتظر منه أن يجيبني؟؟ أنه بخير وبصحة جيدة!!!!) رد حينها قائلا( حاولي أن تنجو بنفسك ، واصعدي إحدى القوارب)، ثم انتبه إلى طرف آخر، ونظر إلينا وصرخ بكل قوة (هيا!!)، واتجه راكضا نحو إحدى القوارب، تبعناه سريعا وصعدنا على متنه، وبدأت الحبال بالنزول نحو البحر، القارب كان صغيرا وعلى متنه أكثر من عشرة أشخاص، بعض القوارب قد هوت للأسفل بعد إنقطاع الحبال، وسقط بعض الأشخاص من الأعلى...

رأيت لارا على متن إحدى القوارب النازلة، صرخت فرحا عليها ولوحت بيدي كي تراني، ولكنها كانت تغمض عينها من شدة الخوف، لكي لا ترى الجحيم الذي يحيط بها... طمأنتي نور وقالت لي (لا تقلقي، ستكون بخير).

وصلنا سطح الماء بنجاح، وإبتعدنا قليلا عن السفينة، ولكنني أضعت قارب أختي وكأنه اختفى وسط الظلام، ولكن شيئا غريبا بدأ بالحدوث، المطر قد توقف، والريح سكنت، والسفينة بدأت تبتعد عنا، وبدت سليمة لم تشكو من أي عطل، بل كانت ثابتة على البحر، تمنيت أن بقيت فيها، جمدت حينما علمت أن هلاكنا في هذا القارب الصغير،.

برد شديد حلق بنسماته قد جمد الدماء في عروقنا، جعلنا نفرك أيدينا ببعضها وننفخ بها لكي تدفأ قليلا، ولكن ذلك لم يجدي نفعا، بل فقدنا الشعور بها.

القوارب بدأت تقترب من العواصف الرعدية التي لم تخف حدتها، قوة خفية جذبت القوارب نحو الجدار الرعدي، صرخات الموت، وصلوات تتلى، ودموع محبوسة لم تقو على السقوط من الخوف، صور عائلتي كأنها في شريط متحرك بدأت أراها.

نظرت إلى كمال وجدته صامدا وهادئا، (ما سر جبروت ذلك الرجل؟؟!)، وتلك الفتاة ، تدعو(إلهي، اغفر لي خطيئتي، لم أكن أقصد ذلك..)،أي خطيئة قد فعلت، ربما الله قد عاقبنا من أجل ذنبها، كان عليها إلقاء نفسها بالبحر، قبل حدوث ما حدث، فكرة أن نلقي بأنفسنا في البحر، خطرت على بال الجميع، لكننا لم نستطع ذلك، قوة خفية تسيطر على المكان، ربما هي من خططت للرحلة وكل ذلك من البداية.

 الأرض الضائعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن