الفصل الثاني: الضّياعُ في المَجهول( ٥)

124 2 1
                                    

أكملْنا الطّريق أملًا في إيجادِ مكانٍ آمنٍ، وعسى أن يكونَ هناك مكان بهذا الوصف.

في وسطٍ مشحونٍ بالمشاعر السّلبيّة، القلقُ وعدمُ الارتياحِ بادٍ على وجوهِ الجميعِ، والخوف قد سيطرَ على القلوبِ، ونحن في طريقٍ قد يؤدّي إلى هلاكِنا جميعًا في أيّ وقت.

وفي لحظةٍ ما قال كمالٌ: (أظنّ أنّه قد حان الوقتُ لنتفقّدَ بعضَنا، يجبُ على الجميعِ ذكر رقمه بصوتٍ عالٍ ،
واحد ...)،
ولكنّ عمر لم ينطق رقمه، ثمّ قال كمال موجّهًا حديثه لعمر: (هيّا عمر، ما بك؟ أنت الرّقم اثنان)، قال عمر بسخريَة: (هكذا أصبحَ اسمي الرّقم اثنان؟! الجميعُ يعلم أنّني موجود)،
ردّ كمال: (ومن قال أنّ الجميع يعلم بوجودكَ؟ كيف لكلّ واحدٍ منّا أن يكون له القدرة على حفظ سبعة عشر شخصٍ لا يعرفهم ويجهلُ معظمَ أسمائهم؟
يجبُ عليك ذكر رقمِكَ بصوتٍ عالٍ).

صرخَ عمر: (الرّقم اثنان مقيّدٌ هل ترى ذلك؟)
ورفعَ يدَه عاليًا ليراه الجميع وأكمل قائلًا: (أترون هذا؟ أتأكّدتم أنّني موجود؟)
ردّ كمالُ بهدوء: (أمنزعجٌ من كونكَ مقيّد؟).

قال عمر: (جرّب أن نتبادلَ الأدوار وحينها ستعلمُ إن كان هذا الأمرُ مزعجًا أم لا).

كمال: (إن فعلتُ فعلتكَ بالطّبع لن أكونَ منزعجًا)، ثمّ صمتَ كمالُ قليلًا وأردف قائلًا: (فلينظرْ لي الجميعُ، ليس لي الحقّ في اتّخاذِ أيّ قرارٍ يخصّ كلّ شخصٍ هنا ولكنّني أرى أنّه لا خوف إن حرّرنا عمر من قيودهِ، فكَما تعلمونَ عمر لم يكنْ واعيًا بما فعلَه ومن لديه اعتراضٌ على هذا القرار فليرفعْ يدهُ وحينها سيبقى عمرُ على ما هو عليهِ).
لم يرفعْ أيٌّ منّا يده وبالفعل قد حرّر كمالُ عمرَ من قيودِه شكرهُ عمر ولم ينطقْ بأيِّ كلمةٍ بعدَها، حاولتُ التّحدّث مع عمر ولكنّه رفعَ يدهُ رافضًا الحديثَ.
شعرتُ وقتهَا بالخجلِ الشّديدِ ولم أعلمْ لِمَ أقحمتُ نفسي في موضوعٍ لا علاقة لي بهِ، لا أعرفُ لِمَ أُقحمُ نفسي دائمًا في محاولةِ الإصلاح، وفي الحقيقةِ لا أعلمُ كيف سأُكبحُ جماحَ الفضولِ الشّديدِ في معرفةِ ما يُخفى عنّي.

كانَ أدهمُ ينظرُ إلى حنان نظرةً فيها حيرةً ممّا جعلَ حنان تسأله باستغرابٍ: (لماذا تنظرُ إليّ هكذا؟).
ردّ أدهم: (وهل أصبحتِ أيضًا تخافينَ من نَظراتي؟).
حنان: (نظراتُكَ في الأمسِ كانت مليئةً بالحبّ والحنانِ، أمّا الآن فهي حادّةٌ ومُخيفةٌ).
أدهم: (حقًّا... ! ربّما أنّكِ لم تعودي تستطيعينَ قراءَتها).

لم تعلّق حنانُ على كلامهِ بل همَّت بالمسيرِ، إلّا أنّه أمسكَ بيدِها حتّى ينفردا قليلًا وبالرّغم من أنّه أوجعَها إلّا أنّها لم تفلتْ يدَها منهُ ولكنّها نظرتْ إليه نظرةً يملؤها الغضبُ الشّديدُ وقالتْ: (ما بكَ؟ لقد لفتَّ أنظارَ الجميعِ إلينا).

أدهم: (أظنُّ أنّكِ من بدأتِ بهذا وعلى كلّ حال ما الّذي تريدينه يا حنان؟ ما الّذي يجبُ عليّ أن أفعله كي أُرضيكِ؟).

 الأرض الضائعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن