"طريقة انتحارية"

131 9 9
                                    

ما زلت أؤذي نفسي بحمل عبء ذلك الذنب، أريد أن يمر يوم دون أن يكون فؤادي مثقلاً به، ما زلت أحاول جاهدًا أن أكون نفسي دون أن أخذل أحد، ولكن من دون شك كل ما أفعله لا يرضي أحد، لا أعلم ما الذي أفعله حيال الأمر، التزم الصمت فلا جدوى من صنيعي، أتمالك أعصابي وندمي على اللحظات التي نسيت فيها نفسي من أجلهم وأحاول أن أجد الثبات الذي يجعلني أُواجه هذا العالم.. لكن لا جدوى، إني فارغ الروح، لست بحاجة إلى من ينتزعني من غرقي ويبدد ظلامي، ولم يخطر ببالي أحد، إني أفكر في حرق جميع ذكرياتي وترك كل شيء، حتى ولو لمرة واحدة... أتساءل هل من طريقة؟
هل من طريقة تنهي حزني؟
هل من طريقة تنهي معاناتي؟
هل من طريقة تحل مشاكلي؟
هل من طريقة تعيدني إلى الصواب؟
هل من طريقة؟
أصبحت شخص بائس يغطس في بحيرات الأحزان كمن يهوى الغوص فيها، وماذا بعد؟ أليس هناك شيء آخر أهواه؟ كأن أمسك خنجرًا أزين به معصمي، أو أن أسير على أشلاء من زجاج بأمشاط أصابعي، أو من الأفضل أن أصب في جسدي الزيت وأقترب من لهيب كرهي لكي يشعروا بشيء من الدفء، ألا يزال هذا غير كافٍ؟ ما الثمن الذي علي دفعه؟ هل يفي الدم بالغرض؟ هل يفي القلب بالغرض؟ لقد قدمت كل ما استطيع فعله وقتها حتى أني تخليت عن نفسي بسبب نفسي.
في غرفة مظلمة بها مصدر ضوء صغير ينير تلك الأوراق المصفرة كان يداعب خصيلات من شعره بينما يقلب قلمه برفق بين أصابعه ويسأل نفسه إن كانت كتاباته ستغضب "نديم"
يقاطع حديثه البسيط صوت بعيد يناديه..
- أسمع صوت عذب يناديني بدا لي كصوت أمي وهي تناديني
= لؤي ، لؤي ، العشاء جاهز!
- إنه صوت والدتي حقاً! ، يجب أن أتوقف عن كتابة نصوص واقعية كصوت أمي ذلك سيغضب نديم
= لؤي ، ألا تسمعني!
- أسمعك أمي ، قادم..!
ينزل على الدرج بخطوات متأرجحة متثاقلة وكأن جبلاً على ظهره ذلك بسبب جلوسه المطول على الكرسي وهو يكتب تلك الأسطر ويحاول تعديلها كل ثانية والأخرى
- لماذا تطفيء أضواء غرفتك في هذا الوقت المبكر لا تزال الساعة الثامنة والنصف مساءً
= لأن هذا ضروري!
- كيف!؟
= كما أخبرتك سابقاً يا أمي هل نسيتي؟
قالها وهو يشعر بنوع من الخيبة لنسيانها ما يحبه
- آه تذكرت، أنت تحب الدراسة في غرفة مظلمة بمصباح صغير بحيث لا يتشتت ذهنك وتبقى مركزًا أكبر قدر ممكن
تبدر على وجهه ملامح الاستسلام قائلاً:
- صحيح، ولكن ليس تمامًا لأني لا أفعل هذا عندما أدرس
رمقته والدته بنظرة حادة قائلة:
- من الأفضل أن تدرس وإلا صادرت جميع ألعاب الفيديو وبرامج الأنمي خاصتك
بلع ريقه بصعوبة بعد ذكر ثاني أشد عقاب يخاف منه على الإطلاق وحاول تمالك نفسه وإظهار اللامبالاة لإخفاء خوفه قائلاً:
- لا تقلقي يا أمي درجاتي ليست سيئة وأشعر أني سأصنع إنجازًا هذا العام
نظرت إليه مبتسمة والاطمئنان بادر على وجهها قائلة:
- سمعت هذا العام الماضي ولم يحدث شيء!
أشاح نظره بأدب لكي لا يقلق أمه وواصل تناول طعامه، ختم أمسية اليوم بقوله:
- الحمد لله، كان عشاءً لذيذًا، سلمت يداكِ أمي.
عاد إلى غرفته المظلمة ذات المصباح الصغير الذي لا يستطيع رؤية شيء فيها سوى تلك الأوراق الصفراء والقلم الأحمر، كما لو أن لا شيء في العالم يسلط له الضوء غيرهما، يشعر بالتعب بمجرد جلوسه على السرير، هذا طبيعي، فكما جرت العادة أن وقت العشاء أطول الأوقات المرهقة لما يلازمه من أفكار غزيرة تنصب على رأسه بدون توقف من ذكريات وأحلام يقظة كافية بجعله ينام قرنًا.

رحلة أحد عشر خريفاً حيث تعيش القصص. اكتشف الآن