حفيف الأشجار، وطنين الحشرات في ذلك النهار كان مرتفع عن المعتاد في أذن آمندا التي ترخيها وتعلمها صوت واحد لتميزه وهو وقع أقدام أيمن الذي لم يأتي وقد مر الأسبوع الذي وعد بالعودة به قبل تمامه.
***
كانت زينب ترتب ببرود أغراضها في نهار حار مشمس، وتطلق تمتماتها الغاضبة والمنزعجة من أيمن الذي لم يخبرها عن خطته ويفرضها عليها بلا حول ولا قوة منها، حتى حان وقت الرحيل، فأخبرها كاذباً أن تسبقه مع لؤي ريثما ترتب آمندا أغراضها، كان يعلم بأنها ستسبب مشكلة إذا علمت بعدم ذهاب آمندا معهم، ففضل تأخير معرفتها بالأمر. طالت مسيرة لؤي وزينب، فتساءلت كثيراً عن تأخرهم وطلبت إنتظارهم، إلا أن لؤي عارضها وأخبرها بأن لأيمن قوة وسرعة تسهل له الانتقال بسهولة، فسألته عن آمندا، تجاهل سؤالها بالحديث عن الطقس والخريطة بين يديه، فتوقفت زينب عن المسير عند نقطة معينة حين استوعبت غرابة الموقف وارتباك لؤي، فقالت له:
- تخفي أمراً ما؟
حدق بها لؤي وواصل مسيره دون كلمة، فأعترضت طريقه تقول:
- لن نتحرك خطوة للأمام بدونهما، أنا أعلم بأن أيمن يخفي شيئاً ما برحيلنا بهذه السرعة، تكرم بإخباري؟
تنهد لؤي وقال:
- دعينا نواصل السير فقط ريثما يأتي أيمن
إبتعد عنها بخطوات فلحقته تقول له:
- ماذا عن آمندا، لمَ تقول أيمن وحسب!
وقتها وبسرعة البرق، مثل أيمن جالسًا على ركبته جوارهما، يحدق حوله، وبحركة تعديلية لحقيبته قال:
- كان ذلك أسرع من المعتاد!
ذُهلت زينب من هذا، فلم تحظى برؤية سرعته، سوى تلك المرة التي قاتل بها الشبح، أشاحت بذهولها بعيدًا وقالت:
- أين آمندا؟!
حدق بها أيمن دون كلمة ونظر إلى لؤي، فهز لؤي رأسه نافياً، وقبل أن ينطق، تابعت زينب:
- لا تقول بأنها ستأتي على طائر ضخم كما في الروايات!
أجابها أيمن بابتسامة متكلفة:
- لن تأتي! لنواصل مسيرنا
سارت زينب جواره حائرة تسأل نفسها "ما الذي يقصده بلن تأتي؟، أيقصد أنها لن تأتي بطائر ضخم، أم أنها لن تأتي!" وضعت يدها على فمها وتابعت التفكير "لن تأتي! لن تكون معنا في هذه الرحلة!" فوقفت تنظر إليه بحدة ثم قالت:
- أخبرني يا أيمن!، لماذا آمندا ليست معنا؟، لا أظنك ستجعلها تتأخر وتذهب بكل هذه الراحة!
نظر إليها أيمن وبابتسامة ساخرة قال:
- بعد كل هذا الطريق، توصل شارلوك هولمز لخيط الدليل، لأنه وببساطة هولمز خاصتنا بطيء البديهة.
امتعض وجه زينب وقالت بغضب:
- تقصد أن آمندا لن تذهب معنا؟
تنهد وقال بجدية:
- سيعرضها هذا للخطر ويتسبب بمقتلنا جميعًا، لذلك تركتها عند الخالة رزان، لا تقلقي عليها!
قالت له:
- ما كان موقفها، هل وافقت على هذا؟ أم أنك خدعتها كما فعلت معي!
شبك أصابعه خلف رأسه وقال مبتسمًا:
- أختي لا تنخدع بسهولة، لقد فهمت الأمر بشكل جيد
أبعد يديه عن رأسه وقال بتحسر:
- أساءت فهمي، ولكن لا بأس سيكون كل شيء على ما يرام.
ما إن أكمل كلامه حتى هرولت زينب للعودة، فأستوقفها أيمن يعترض طريقها للتقدم وقال:
- لا تضيعي تعبي هباءً، لقد سرنا مسافة بعيدة، كما أن لا فائدة من عودتك!
صرخت به قائلة:
- لا تثق بنا وتخبرنا عن الحقيقة، فكيف تريدني أن أثق بك وأترك آمندا منفصلة عنها في هذه الأرض الغريبة، تعاهدنا على ألا تفارق إحدانا الأخرى هنا، فكيف تطلب مني السفر لوجهة مجهولة لا نعرف ما تخبئه لنا بدونها، لن أذهب معكم
سارت خطوات وتجاوزته، فأوقفها بالقبض على حقيبة ظهرها القماشية المنتفخة، نظرت إليه بحدة تخبره من خلالها أن يفلتها، فقال لها:
- سنذهب إلى رجل يدعى مذنب يعلم أسرار هذه الأرض، وربما السبيل لعودتنا، لكنه يطمع لختم وحدها آمندا من تملكه، أعتقد أنه سيكشفه بسهولة مما يجعله يحتفظ بها لسبب أجهله، لن يمسنا سوء فهو لا يحتاجنا ولكن حينها سنفقد صديقتك العزيزة للأبد!
حدقت به ولم تأبه لكلامه وكادت تواصل طريقها، إلا أن أيمن لم يفلت حقيبتها وجذبها إلى الخلف على بعد خطوات منه كادت تسقطها أرضًا، فهتفت تقول:
- لست ولي أمري لتجبرني على الذهاب معكم، لن أتعاون معكما، فلا تقحماني في الأمر لو سمحتما!
كان لؤي يقف على مسافة منهما، ظن أن الأمر سيطول لذلك جلس على الأرض يسند ظهره على شجرة، ينظر إليهما، ذُهل عندما سمع أيمن يقول:
- لا!، أنا ولي أمرك هنا شئتي أم أبيتي، أتحمل كامل مسؤولياتك وحمايتك مثل آمندا بالضبط، لذلك عندما يكون أحدكم في خطر لن أتردد في إنقاذه لو عنى ذلك تضحيتي، سأفعل أي شيء يبقيكم آمنين، لذلك لا تعتقدي بأنني تركت آمندا تسلطاً مني عليها، أفعل ذلك لحمايتها فقط!
أصغت زينب لكلامه دون أن تقاطعه بشيء، فتابع قائلاً وهو يحك أرنبة أنفه:
- كما أننا نحتاج لوجودك بيننا، فهذا يسهل الأمر ويجعله أكثر صدقاً، وكلما زاد العدد زادت القوة، لذلك..
هنا قاطعته زينب قائلة:
- لا بأس!، سأذهب، لنسرع إذا
استدارت تتنهد وتقول لنفسها "قال نحتاج لوجودك قال!"، وقف لؤي يحدق بأيمن حتى أسند ذراعه على كتفه وقال مبتسماً:
- كم أنا معجب بقدرة الإقناع خاصتك، ألم تقول بأنها أعنّد من آمندا ثلاثة أضعاف!، كان الأمر سريعاً!
أبعد أيمن يده وسار يقول وقد نظر إليه بطرف عينه:
- صادف أنها إقتنعت بسرعة وحسب!
بعدها بقليل، سألت زينب لؤي بخفوت قائلة:
- أيها الأحمق!، لماذا وافقت على خطة أيمن؟
نظر إليها لؤي متعجباً وقال بذات الخفوت:
- لا تريحني خطته ولكن ما باليد حيلة، فلا سبب مقنع لمخالفتها!
نظرت زينب إليه بملل وقالت:
- لا سبب يجعلها تكرهه فهو أخاها، ولكنها ستكره أحدهم لو تركها بتلك البساطة دون قول شيء!
حملق لؤي بها بإستغراب وقال:
- هل هذه قصة ما! لماذا لا توجد بها أسماء؟!
وضعت زينب يدها على وجهها وهمست لنفسها " إن أمره ميؤوس منه! "، نظرت إليه مبتسمة وقالت:
- إنها قصة عن فتاة وقعت بالحب ولكن محبوبها مغفل تماماً!
فقال لها لؤي وقد بدا الحماس عليه:
- إنها تبدو كقصص المانغا، أستطيع تكهن ما سيحدث لاحقاً، سأخبرك بها قبل أن تروي لي قصتك، إتفقنا؟
هنا ندمت زينب أيما ندم لمحاولتها إستخدام التلميح مع لؤي، فهو مغفل أكثر من أن يستطيع فهمها، لم يسعها سوى الدعاء لآمندا بطول البال و إتساع خذان الأمال لمنحه بعضاً منه فلا أمل يرجى منه البتة.
أنت تقرأ
رحلة أحد عشر خريفاً
Fantasyانظر إلى السماء الغائمة وحيدة في ليل ساطع بسناء القمر، لم يتواجد سوى رجل غريب ذو عينين حمراوين ينظر إلي، تأتي الغيوم لتواري سناء القمر فتسطع عيناه الناريتين وسط الظلام، أزحف راكضة بين الزهور محاولة الهروب منه، كان سريعًا للغاية ويستطيع الإمساك بي في...