"جبال الشيفو"

4 1 9
                                    

سكون الليل بعد توقف آخر قطرة مطر، أصوات الطنين وحترشة الحشرات مع نقيع الضفادع نسجت في مسامعه تعويذة ضد النوم، فنهض من فراشه، وتوجه خارج الكوخ ليستنشق عطر الأرض ويمد يديه في الهواء ثم عاد جالسًا على صخرة ملساء ينظر لهدوء الليل في الغابة عدا أصوات مخلوقاتها الضئيلة، وتنهد! .. صارت عادة عند استيقاظه كل صباح، حسرة! على فقدانه أخبار أخته منذ اختفائها مع أودين والآخرين، يتساءل في ذاته ولكن لا إجابة يحصل عليها، وحدها مخاوفه ما تخرج منه لتشكل هالة محبطة تحيط به، يبددها شخص واحد يستيقظ متأخرًا كعادته، لؤي! عندما يقول له "لا تخف! سيكون كل شيء على ما يرام"، فيشعر بالطمأنينة رغم أنه لأمر غريب أن تريحه الكلمات السهلة والبسيطة ولأن لؤي من قال ذلك فإنه يصدقه، فهو كالمسكن لصداع رأسه الكلاسيكي القوي، بقدرة لؤي على قراءة مشاعر الآخرين وتوجيهها كما يريد، كان يبعد كل قلق وخوف يحط برفيقيه دون علمهما، ليواصلوا رحلتهم في اكتشاف الممالك والعثور على آمندا مع حرصهم على البحث عن مخرج لعالمهم الذي بات غريبًا عنهم بعد اعتيادهم على حياة هذا العالم.

                      ༺༻༺༻
في نهار ممطر وبارد تحت شجرة كبيرة كثيفة الأوراق وقف أربعتهم ككرتون في أحد البرامج الطفولية، يحدقون بأعين متسعة وجاحظة إلى المطر الغزير الذي هطل فجأة، نكز زيلا أودين وقال:
- الم تقل بأنها لن تمطر اليوم!، كان علينا البقاء في النزل لحين صفاء الجو، يستغرق الأمر يومان للوصول إلى قرية قريبة من هنا، ماذا سنفعل الآن!
رد أودين ضاحكاً:
- سننتظر توقف المطر، ما عسانا سنفعل غير ذلك!
استاء زيلا من ضحكة أودين التي لا تناسب الموقف، جلست آمندا على الأرض تضم حقيبتها إليها، بينما وقف الشبح بالجهة الأخرى مغمض العينين كأنه نائم من فرط استرخائه، وبعد توقف المطر استأنفوا سيرهم من جديد بصورة أقل نشاطاً وببطء، عندما امتلأت الطرقات بالوحل وبرك المياه، وأثناء سيرهم أرادت آمندا السؤال عن اسم الشبح، فقد كلت مناداته بلقبه، ولكن طيف الصمت الذي يدور حولهم ابتلع فضولها في جوفه، فعكفت عن الكلام، استمر سيرهم يومين دون أن يغمضوا جفونهم رغم التعب والإرهاق الشديدين، حتى وصلوا قرية على الحدود الشمالية الشرقية، كان سكانها كما عهدهم الشبح بعنفهم وبخلهم لا يكرمون الضيف بل يزلونه ويهينونه، ولأن الشبح أذاقهم العذاب مرة لم يتعاملوا بمبادئهم الدنيئة، ورحبوا به ومن معه أحر ترحيب وآخر كرم، كانت آمندا شبه صامدة، فحجزت إحدى الغرف وأغلقت الباب بإحكام لتنعم بنوم هادئ دون مقاطعة، بعد تأكيد أودين لها أنهم سيرحلون بعد يوم كامل من الراحة.
في عصر ذلك اليوم وعند وجبة الغداء، كان أودين يراجع خط سيرهم على الخريطة مع زيلا، حيث وجد أن لا مفر لهم من المرور بقرية "نوميك" التي ستؤخرهم حتمًا عن الوصول لقصر الشرق وعقد المعاهدة المأمولة في الوقت المناسب، إذ يدرك هذان الإثنان أن خط زمنهم يختلف عن الخط المعتاد في قرية "نوميك" تمامًا كقرية "النسيان" وذلك لظهور الفجوة في كليهما، لم يكن بوسعهم سوى المرور بها ولأن كل من يمر بها يخلدون للنوم لزمان غير معلوم، حاولوا البحث عن طريق آخر حتى لو أدى إلى جهد ومشقة إضافية أملاً أن ذلك أفضل من مرور الوقت غير المعلوم في قرية نوميك، اقترح عليهم الشبح الذي نادراً ما يبدي رأيه ويتحدث أن يذهبوا عن طريق جبال "الشيفو"، تنهد أودين وزيلا في آن واحد وقالا:
- سكانها مزعجون إذا ما اكتشفوا أمرنا!
طالعا بعضهما تفاجئاً من قولهما الجملة ذاتها، فسبقه أودين بالكلام وسأله:
- من أين تعرف سكانها لتقول ذلك؟!
أشاح زيلا بنظره عنه وهز كتفيه قائلاً:
- صادف أن سمعت عنهم!
كان يكذب في قوله ولأنه عمل معهم سنوات أخفى ذلك عن أودين الذي لا يعلم عنه سوى البطالة في مملكة الغرب، فأسر الصمت مما جعل أودين يشعر بالريبة في أمره، فسألهم الشبح:
- هل قدمتما إلى إمبراطورية بيبرس من قبل؟
أجاباه بالإيجاب دون إضافات، ولعدم اكتراث الشبح لم يسألهما عن التفاصيل واكتفى بمجمل القول، كما بدا له أن رفيقاه يخفيان أموراً كثيرة، فقال يتابع تناول الطعام:
- إذا للكل أسراره!
ضحكا ينظر كلاً منهما إلى الآخر وكأنهما انتبها للأمر أخيراً، فأتت آمندا من بعيد، وعندما اقتربت سألتهم:
- أين إفطاري!، صمتت ثم أردفت: بل غدائي!
ابتسم أودين قائلاً:
- لمَ لا تشاركينا الطعام؟
أمالت رأسها مبتسمة وقالت:
- لن يحدث ذلك!
ضحك زيلا بخفوت يتمتم بسخرية "دائماً ما يحرج نفسه، متى سيتوقف!"، أجابه أودين يتمتم عندما سمعه "عندما تتوقف عن التركيز في أفعال الآخرين!"، وتابع يقول لآمندا:
- لا بأس، أخبري تلك الفتاة!
وأشار بيده بعيدًا تجاهها، عندما ذهبت، ظل يحدق بزيلا الذي تجنب النظر إليه متعمدًا وباشر شرابه.
في المساء، كانت آمندا تبحث عن قنية الحبر الصغيرة التي اشترتها سابقًا، أخرجتها بعد قلبها الحقيبة رأسًا على عقب، وضعتها جانبًا، وأعادت ترتيبها سيرتها الأولى، وفي لحظة ما توقفت تنظر إلى الذاكرة الإلكترونية التي لا تفارق جيبها منذ شرائها، منتظرة تقديمها للؤي، إلا أن الأمر صعب عليها مع مرور الأيام، فصارت ملازمة لها وكلما نظرت إليها تتذكر الصدفة التي جمعتهم في ذلك اليوم، هزت رأسها وكأنها تحاول نسيان ذلك وأعادت الذاكرة الإلكترونية إلى الحقيبة بعد أن دستها بعناية داخل قطعة قماشية صغيرة، نهضت وجلست على الطاولة البالية، قرب الشمعة الصغيرة، تكتب يومياتها كما اعتادت أن تفعل سابقًا، ثم خلدت إلى النوم.
في اليوم التالي استأنفوا سفرهم، إلى داخل الإمبراطورية بعد تجاوز حدودها، وكما حكمت العادة لا حديث أثناء سيرهم، مما جعلها تركز على المناظر الطبيعية من السماء، والأرض، والوديان، والجبال، قارنت ما بين هذا وذاك، ووجدت أن إمبراطورية اللافا مخضرة وغنية أكثر مما بدا لها في إمبراطورية بيبرس، ظنت أنها البدايات وسيتحسن الوضع عند دخولهم، إلا أن ظنها خاب تمامًا عندما وجدت أن الأمر إزداد صعوبة مع كثرة التضاريس الطبيعة، كان صعباً عليها تجاوز وتسلق الصخور بسرعتهم، حتى أنها كادت تسقط عند تجاوزهم لأحد الجبال المخروطية، لولا مساعدة الشبح لها بإمساكها بآخر لحظة، تنفست الصعداء بعد تجاوزهم لعدة جبال فتوقفوا لتناول الطعام، استراحت آمندا في صخرة بعيدة عنهم، وكذلك الشبح راح مبتعداً في جولة، فقال زيلا لأودين :
- إنهما إنطوائيان للغاية!، ما رأيك أن نخرجهما من قوقعتهما قليلاً؟
ابتسم أودين يقضم قطعة لحم وقال بينما يمضغها:
- دعهما وشأنهما!
بعد أن قال هذه الجملة، وثب قائماً وذهب إلى حيث آمندا، فنظر إليه زيلا مستغرباً وقضم خبزاً بعنف ثم تمتم محاكياً "دعهما وشأنهما.. قال!"، وقف أودين قرب آمندا، وعندما أنتبهت إليه قالت:
- لمَ تسعى بشدة لتلك المعاهدة؟
صمت أودين مصغياً إلى أفكاره، ثم قال:
- لمَ فتاة مثلك تترك أخاها وتلتحق بنا؟!
ردت آمندا بضجر:
- أجب عن سؤالي أولاً!
حدق أودين في السماء وقال:
- لكي يخفق قلبها!
نظرت إليه بملل على تلك المزحة السيئة، فقال لها ضاحكاً:
- ماذا!، لقد أجبت على سؤالك..
فقالت آمندا:
- أتظنني غبية لأرضى بأي إجابة حتى لو كانت مزيفة!
إبتسم أودين ورفع كفه حد كتفيه وقال:
- ما الزيف في فعل شيء من أجل شخص تريده أن يحبك!
نظرت آمندا إلى عينيه وقالت:
- إذاً ما تقوله الشائعات صحيحة، عن حبك للأميرة؟
أشاح أودين بنظره وكأنه لم يتوقع قولها هذا، تذكر حديث ملك الغرب: "أودين!.. سأسامحك لكذبك بشأن طلب يدك من الأميرة يولاند، ولكن لن أسامحك إذا ما تلاعبت بمشاعرها وحتى وإن كان هذا لصالح المملكة الآن، سيؤدي ذلك للخلاف مستقبلاً، فلطالما كان الملك المبتسم متعطشًا للحروب، ويبحث عن صغائر الأسباب لإشعالها!"، فهمس داخل نفسه: "غبية!، ماذا تظنني لأقع في الحب!" أجابها:
- لا!.. لستُ أحبها!.. ولكنني أود أن تحبني.. ولو تحبني كل فتيات العالم!
نظرت إليه آمندا بإشمئزاز، فقال مضيفاً:
- لستُ أهتم على كل حال، أريد أن أحقق أهدافي وحسب!، وهذه المعاهدة إحدى أهدافي
تبدلت نظرات آمندا وقالت بشيء من الجدية:
- أشاركك نفس الفكرة، لدي أهداف أسعى إليها أنا أيضاً
ابتسم أودين قائلاً:
- كأن تجدي طريقة تعودين بها لوطنك؟، ولكن لماذا تذهبين معنا، ألا يجدر بك فعل ذلك قرب أصدقائك..
قاطعته قائلة:
- لأنك دعوتني!
= عفوا!، هذا ما قاله، فتابعت:
- كما أني أريد الابتعاد عنهم قليلاً، أليس هذا ما تريده أيضاً؟، حتى لو لم يتخلى أخي عني، كنت ستحاول أن تضمني إلى صفوفك، من أجل ضمان سير أهدافك على نحو صحيح، نظرت إليه فاصطبغت عيناها باللون الرمادي وأردفت:
- ما الذي تريده مني بالضبط؟
ابتسم أودين بمكر، وجلس على صخرة قبالتها ثم قال:
- أريد أن تقعي بحبي، ربما!
إندهشت آمندا حتى كادت تفلت كوب الماء من يدها، وقالت كمن يبدو عليها عدم التصديق:
- أنا!؟
= نعم، أنتِ
- لماذا؟
أجابها:
- لكي أحصل على قوة الختم أو جزء منه، لو علم شخص بذلك غيري لما تردد في تهديدك وإجبارك على خدمته بالقوة، لذا فكرت أن أحصل عليها دون اللجوء لأساليب عنيفة وملتوية، وذلك بمنحك إياه لمن تحبين!، لا أكذب عليكِ فأنا أريد حقاً أن..
هنا سكبت آمندا الماء في وجهه واستدارت تحمل حقيبتها وتبتعد راكضة عنه، وفي وسط دهشة كبيرة سقطت على وجه أودين المبتل، ابتسم بغير سبب ومرر بيده شعره للوراء، ونهض ينفض ملابسه ويمسح بطرف كمه بعض آثار ماء على وجهه المليح، بينما استشرى غيظ آمندا كانت تفكر بمدى غبائها عندما أمنت به، باتت تدرك أن كل الطرق تؤدي إلى روما كما يقولون، وبأن قدرها أن تتعامل مع خباثة أودين عاجلاً أم أجلاً، كان ذلك الهدف الأول من سفرها معه، ولكن الأمر الذي أدركته متأخراً، أنها دخلت المعركة تحمل سكيناً صغيراً لا يقطع إصبعاً، لذلك يجب أن لا تتعجل موتها وأن تتروى جيداً من الآن فصاعداً في كلامها وتصرفاتها.
عند استئناف الرحلة، لاحظ زيلا امتعاض آمندا وسيرها المتأخر عنهم، فتراجع يسألها إن كان أودين قد أزعجها بشيء، وذلك لثقته من طبيعة أودين المزعجة، إلا أن آمندا نفت إزعاج أودين لها، وتجاوزته وكأنها تخبره أن لا يتحدث معها، فأطبق زيلا فمه عندما تأكد أنها منزعجة للغاية، من سوء حظ آمندا أنها لا تجيد إخفاء غضبها وانزعاجها أبدًا، وعندما اقتربوا من جبال "الشيفو"، صار أودين يحذرهم من رؤية أحد لهم، فسأله الشبح إن كان بإمكانه قتلهم، فضحكت آمندا بخفوت وكأنها سمعت نكتة خفيفة في يوم صعب، كان أودين يحذر الشبح من الإقدام على أي فعل طائش كالقتل، سيؤدي إلى عيشهم الضنك بقية حياتهم، بدا الشبح منزعجًا لعدم قيامه بشيء، والذي يعد القتل عمله ومتعته الوحيدة وما سواها ممل وعديم المعنى في نظره، بعد تجاوزهم لطرق متعرجة مليئة بالصخور، كان عليهم السير في طريق نحته أهالي الشيفو ليسهل السير والتنقل بين الجبال دون  مشقة، كان الأمر مذهل في عيني آمندا التي لم ترى طرق غير محدودة ومحفورة بدقة وبراعة من قبل، والأنفاق التي يعبرون من خلالها مدعمة بالحديد والخشب لمنع الانهيارات الصخرية المفاجئة، والنباتات التي تنتشر بشكل عشوائي ومنظم في بعض الطرق، وفي أثناء سيرهم رأت آمندا الشبح يقف قرب إحدى الصخور تنبت بها أزهار جميلة فواحة زكية، فتوقفت هي الأخرى وقبل أن تنطق بشيء، دهس الشبح الأزهار تحت قدمه بعنف وكأنها بغيضة، الأمر الذي أربكها وجعلها تتراجع للوراء بعد أن ابتلعت تعليقها حول ما إذا كان الشبح يستمتع بالأشياء الجميلة مثل النظر إلى الزهور واستنشاق عبيرها، ولكن دهسها بهذه الطريقة جعلها تشك في صحة ذلك، سار أمامها وكانت تشعر بالغرابة وتنظر بين الحين والآخر للوراء متحسرة على الزهور، وفجأة عندما استدارت للأمام اصطدمت بشيء قاس، كان رأس الشبح الذي انحنى لها لتصطدم به، وعند تراجعها بخطوة وضع الرمح خلفها عند رقبتها بحيث إذا استدارت ستجرح نفسها، حدقت آمندا به وقلبها كاد يقفز من مكانه خوفًا، فقال لها:
- إن نظرتي إلى الوراء مرة أخرى!، سيسقط رأسك بين يديك، فهمتي؟
أجابته آمندا وهي تأمل أن يبتعد عنها بأقرب وقت:
- نعم، نعم! لن أفعل ذلك مرة أخرى!
فسحب الشبح الرمح ووضعه في حمالته على ظهره، ثم رمقها بنظرة حادة ومضى، تنهدت آمندا وهمست إلى نفسها "لا أستطيع الاعتياد على هذه المجموعة غريبة الأطوار، من أجل ماذا أقحمت نفسي في ذلك!"، وفي وقت ما كانت تشعر بلسعات خلف رقبتها، وعندما تفحصت الأمر تلطخت يدها بالدم، كانت تسير جوار زيلا، فتراجعت إلى الخلف زافرة تنظر إلى الشبح بحدة، لاحظها أودين الذي سار محاذاتها وتفاجأ عند رؤية الدماء في يدها، فأنتبه الآخران وتوقفا عن السير، بينما حاولت آمندا التستر على الشبح، كشفها أودين وسأل الشبح إن كان قد فعل ذلك، فهز الشبح كتفيه بغير اكتراث وقال:
- لست واثقا من فعلي ذلك، لقد تمالكت نفسي!
ابتسمت آمندا بتكلف، وقالت:
- ليست بمشكلة كبيرة
وعندما تجاوزت أودين، إتسعت حدقتا عينيه عندما رأى الختم يتوهج في موضعه خلف رقبتها رغم ثوبها ذي العنقية الطويلة، أراد أن يوقفها عن التقدم لكي لا يرى الشبح ذلك وتختفي كل مخططاته بلمح البصر بقطع رأسها، فأمسك بغطاء قلنسوتها وسحبها إلى الخلف لتقف بجواره، وقد غطى رأسها، وقبل أن تعترض على شيء جذب يدها مبتعداً وقد قال لزيلا يحثه على التقدم:
- سنعود قريباً، تابعا قدماً!
في حين إنزعجت آمندا وصرخت به ليفلت يدها، نظر إليها بحدة على غير العادة، مما جعلها تشعر بالحيرة فهدأت قليلاً، فقال بكل جدية بعد أن أفلتها:
- آمندا!، كنت ستلقين حتفك قبل قليل، وكنت سأخسر شيئاً ثميناً لا أرغب بخسارته في بداية إنطلاقتي ألا وهو ولاء الشبح لي، سأخبرك بشيء ضعيه قرط على أُذنك، لا تسمحي للشبح بمعرفة أمر الختم، فإنه لو علم فإنكِ ميتة لا محالة! ناولها ضماداً وقال:
- إلحقي بنا بأسرع وقت!
استدار مبتعدًا، في حين غرقت آمندا في حيرتها وفضولها حول كلمات أودين التحذيرية، فكرت بأخذها على محمل الجد وسؤاله أكثر عن الأمر لاحقًا. لمح أحد الشباب زيلا والآخرين من مكان مرتفع، وما إن رأى أودين حتى ضحك حد أذانه، وهرول تجاههم بعد النفخ على بوق يحمله فتردد صوته في المكان.
عندما سمع أودين وزيلا صوت البوق، إقشعر بدنهما وطالعا بعضهما لثانية ثم بادرا بالركض، يحثان آمندا والشبح على فعل المثل، ركضت آمندا لا تفقه شيئاً، فقال زيلا بينما يركض:
- إركضوا بأقصى سرعة!، قبل أن يأتي البقية ويمسكون بنا، إستجابتهم بطيئة وهذا من حسن حظنا!
ما إن قال هذه الجملة حتى صدرت أصوات أبواق من عدة مناطق، فقال الشبح:
- هل سنخوض معركة إن أمسكوا بنا!
أجابه أودين:
- ليتنا نستطيع قتالهم كما تظن!، الهروب سبيلنا الوحيد للنجاة!
عند إحدى تشعبات الطرق كانت جماعة من الرجال ينتظرون، وما إن رأوهم حتى ركضوا تجاههم يبسطون أياديهم في الهواء، كمشتاق يريد إحتضان محبوبته، وتعلوا وجههم نفس الإبتسامة العريضة، فقال زيلا بنبرة باكية:
- أودين!، أرجوك أفعل شيء حيال ذلك!
حرك أودين يده في الهواء وتمتم بشيء، وفجأة توقفوا جميعًا أمامهم وكأن أحدهم أوقف إعدادات الركض خاصتهم، الأمر الذي لفت آمندا، فتوقفت قرب أحدهم الذي حرك مقلة عينه تجاهها، فتراجعت وواصلت ركضها تفكر إن كان أودين يملك قلادة كخاصتها وما تراه أمامها هو قدرته.

رحلة أحد عشر خريفاً حيث تعيش القصص. اكتشف الآن