" مملكة الشمال! "

37 4 8
                                    

تفرقت الحشود بعد انتهاء المواجهة وركض سكانها داخل البيوت وسرعان ما حل الهدوء بالقرية، سارت في الطرقات وحيدة بحذر وببطء، شعرت ببعض البرودة رغم ملابسها القطنية الكبيرة التي تغطي كفيها والياقة الطويلة التي تصل لفمها وأنفها عندما جلست بطرف الطريق، نظرت إلى السماء عند غروب أحمر خلاب، زيادة الرطوبة في الهواء جعلت قدميها الحافيتان متثلجتان فألمها المشي كثيراً، عند مرور أحد الصبية طلبت منه إعطائها وشاحه، إلا أن وجهه أحمر وركض بعيداً، استغربت زينب ردة الفعل هذه فسارت عساها تجد محل لبيع الملابس تشتري منه واحد إلا أن تذكرت بأنها لا تملك مالاً ولا تعلم طريقة البيع في هذه الأرض الغريبة، خمنت أن المقايضة تفي بالغرض ولكن ما الذي ستقايض به فهي لا تملك شيئًا، في منعطف الطريق إصطدمت برجل ووقعت على الأرض، ذهب دون اعتذار، فهتفت منزعجة:
- أنت! .. قل آسف على الأقل!
نظر إليها الرجل بغير اكتراث وتابع سيره، همست لنفسها "ياللوقاحة! يصطدم بأحدهم ولا يعتذر إليه!" نظرت إليه يبتعد فتابعت "ليته يعطيني قلنسوته الزرقاء كإعتذار!" مر جوارها رجل آخر وجدها تجلس على الأرض فسألها يمد يده:
- هل أنتِ بخير؟
نهضت دون الاستعانة بيده وقالت تفرك كفيها من البرد:
- هل تعيرني معطفك بعض الوقت؟
إندهش الرجل وقال ينظر إلى الأسفل يحك أرنبة أنفه:
- آسف، أنا متزوج أيتها الآنسة!
استغربت زينب وهمست لنفسها "ماذا يعني إن كنت متزوج! .. هل ستمنعك زوجتك من إعطاء معطف لشخص يشعر بالبرد! " فقالت له تتراجع عن الفكرة:
- آسفة، سأبحث عن محل ملابس .. هلا دللتني على واحد؟
نظر الرجل إليها مستغربًا حتى قال:
- أتشعرين بالبرد حقًا يا فتاة؟
استغربت زينب وهمست لنفسها "بماذا سأشعر إذاً!"، أومأت رأسها إيجابًا، فأطلق الرجل ضحكة عالية وقال:
- يالبرائتك! .. ترتدين ملابس غريبة كان علي أن أعلم منذ البداية بأنكِ لستِ من هذه المنطقة!
نظرت إليه بدهشة لا تفهم شيئًا، فتابع قائلاً:
- آسف ظننت بكِ سوءً .. هل يمكنك القدوم معي ستعيرك زوجتي بعض ملابسها، ترددت في البداية، ولكنها ذهبت معه فخيرًا لها من البقاء خارجًا في ذلك الطقس وزوال الشمس قادم، عند البوابة نادى الرجل بزوجته فقدمت ورحبت بها وأخذتها لغرفة عرضت فيها الكثير من الملابس لتختار إحداها  كانت جميعها كبيرة الحجم، فارتدت أصغرها ولفت حول رأسها وشاحًا داكن اللون. جلست على مائدتهم التي امتلأت بالطعام من حساء ولحم وبعض الخضار والفواكه، كلها صحية ذات رائحة شهية. بعد تناول الطعام، ضحك الزوج وحدث زوجته عن كيفية لقائها، فضحكت كثيرًا حتى دمعت عينيها وقالت:
- من أين أنت؟ ملابسك غريبة بلون نادر؟
نظرت إليها زينب لا تعرف كيف ترد عليها، فارتشفت شيئًا من الشاي وقالت:
- لقد أتيت من مكان بعيد، بعيد للغاية! ربما خارج هذا العالم!
نظر الزوجان إليها وكل علامات الاستفهام تدور حولهما، فأضافت باسمة:
- لست من هنا على الأقل.. أين تقع هذه المنطقة بالضبط؟
أجابها الزوج:
- نحن في مملكة الشمال والتي تدعى إمبراطورية اللافا.
استغربت زينب من المسمى فقالت تردده بهمس "لاڤا!"، فكرت في نفسها "أيعني بلاڤا حمم!.. أم لها معنى آخر هنا"، ارتشفت من الشاي وقالت لهما:
- أخبراني أكثر عن إمبراطورية اللافا.
صار الزوجان يتحدثان ويتنقلان بين القصص والحكايات والأقوال حتى وقت متأخر، حيث كانت زينب تستمع إليهما وكل الدهشة في محياها. فيستغرب الزوجان منها ويضحكان ويتابعان السرد حتى شعرت زينب بالنعاس، وفي تلك الغرفة الصغيرة بسرير من الخشب وبعض الأقمشة المحشوة رقدت مذهولة من راحته. فسألت الزوجة قبل مغادرتها عن شيء أثار حيرتها:
- أخبريني هل طلب المعطف أو الوشاح للشعور بالبرد معنى غير ذلك؟ ضحكت الزوجة بخفوت وجلست بطرف السرير تربت على كفها وبابتسامة قالت:
- تعني طلب الرذيلة.
أندهشت زينب لا تصدق كلامها فأكلمت الزوجة :
- إن فتياتنا عند الإقدام على ذلك لسبب من الأسباب ينتابها الخجل من هذا فتستعمل هذا التعبير للرغبة بجسد الرجل كأعطني ملابسك أو ما شابه .. إذا رُفضت تقول بأنها تعني الملابس حقاً وتتلافى الإحراج .. مع أن الفعل بحد ذاته يتنافى مع الحياء إلا أنني أجهل إستخدامهن لهذا الإسلوب .. صار الرجال يعدون هذه الجمل بمعنى الإغواء والرغبة .. فهمتي؟
أحمر وجه زينب مذهولة وقد أتاها المعنى كالصاعقة فهتفت :
- لم أكن أعلم بهذا!
ضحكت الزوجة ومسحت رأسها تقول :
- أعلم بأنك لم تقصدي ذلك فقد شرح لي زوجي موقفك
إبتسمت وهمت بالمغادرة، في حين دست زينب رأسها بيديها تتذكر كيف أحمر وجه الصبي راكضاً وفهمت قول زوجها عندما قال "آسف أنا متزوج أيتها الآنسة" فاستلقت على جانبها ولا تزال تغطي وجهها بكفيها حرجاً حتى تذكرت ملامحه المذهولة وهو يقول "أتشعرين بالبرد حقاً يا فتاة؟" فاستراحت عندما تذكرت ضحكه العالي وهو يقول "آسف ظننت بكِ سوءً" فأبعدت يديها عن وجهها ونظرت إلى السقف تتمتم "من كان يظن بأن معناها سيكون منحرفاً هكذا!" وأغمضت عينيها تتذكر وقوف آمندا أمام ذلك الشاب بثبات تحدق به دون أن يرجف بها جفن.

رحلة أحد عشر خريفاً حيث تعيش القصص. اكتشف الآن