بعد يومين من وصولهما، تجهزوا استعداداً للذهاب إلى القصر رغم توعك أيمن وإصابته بالزكام، أصر على الذهاب معهم معترضاً ذهابهم لوحدهم، وفي الطريق استراح أكثر من مرة ونام في إحداها، شرب مشروب دافئ بعدها شعر بالتحسن قليلاً، حتى وصلوا بوابة القصر حيث لم يسمح لهم الحراس بتخطيها، وفي خضم نقاش حاد كاد يتحول إلى شجار، ظهرت آمندا من خلف الباب الذي فتح ببطء، بقلنسوة كستنائية اللون، يزين رأسها قبعة قماشية بذات اللون، تقدمت حتى صارت خطوات تفصلها عن أيمن الذي دفع الحراس وركض ليضمها بين ذراعيه بقوة مما أسقط القبعة ليغطي شعرها وجهها الحزين، اعتذر أيمن عن طول غيابه وأخبرها أن الزمن بقرية النسان. يسير ببطء وأنه سيشرح لها كل ما حدث، تردد في مسامعها قول أودين "يذهب ويعود وقتما يشاء ويلقي أعذارًا واهية"، أغمضت عيناها وقبضت على فستانها من تحت قلنسوتها، رفع أيمن قبعتها وألبسها إياها وكاد يعدلها لولا الذراع التي أبعدت يده، فنظر إليها مستغربًا، قالت له آمندا:
- ما الذي تهذي به؟
صمت أيمن، فقالت تنظر إليه بفتور وقد استحالت عيناها إلى اللون الرمادي:
- لا حديث بيننا!
سرت رعشة في جسد أيمن وقبض صدره كالعقدة، فقال لها:
- أعلم أنكِ غاضبة مني، ولكن لا بأس ستشرح لك زينب كل ما حدث، هيا بنا!
نظرت إلى زينب ولؤي اللذان يقفان على مقربة ليست ببعيدة منهما، وقالت بشيء من الفتور:
- اذهبوا من هنا، لن أعود معكم! تمتمت بكلمات سمعها أيمن " لن أعود مع الذين تخلوا عني! "، توقف عقل أيمن عن التفكير للحظات ثم قال:
- لماذا!؟ هل أنتِ بخير؟
ابتسمت آمندا بمرارة وقالت:
- سؤالك متأخر يا سيد أيمن، جعلني أفقد شهيتي بالرد عليه!
رد عليها أيمن قائلاً:
- أرجوك آمندا سيحل كل شيء، وأعدك لن أسامح وسألقن من أتهمك بالسرقة درساً لن ينساه أبداً، فقط دعينا نذهب الآن!
طال نظرها فيه، فقالت:
- أظنه على حق، لست تأبه لأمري حقاً!
استغرب أيمن ثم عقد حاجبيه قائلاّ:
- أظن بأن أحدهم حشر أفكاراً سامة في عقلك، ما الذي تهذين به؟، أنا لا أأبه لأمرك، إنه آخر شيء قد أفعله في حياتي ولن أفعله!
استدارت جانباً تريد الذهاب، فأمسك معصمها يمنعها من التقدم، دون أن تنظر إليه قالت:
- أتذكر عندما استأذنتك للذهاب مع صديقاتي، كنت في الحادية عشر من عمري، كانت أول مرة تقام فيها رحلة وأردت الذهاب بشدة، لكنك غضبت علي فجأة وكسرت كل شيء من حولي، لقد أخفتني حد الموت في تلك اللحظة، قلت أنني لن أخرج إلى مكان لست متواجد فيه، والآن تتركني رغم تشبثي بك، لا يمكنني فهم منطقك، لأنك لم تكن مضطر لمعاملتي بتلك الطريقة السيئة، أتعلم صوت صراخك العالي أحياناً يزور أفكاري لتجعلها مشمعة بنوع من الشك الذي يقتل إرادتي، هناك طرق أخرى لتوصل إعتقاداتك، ولكنك في كل المرات إخترت الأساليب التي من المفترض أنها آخر إختياراتك، جعلني هذا أكثر حذرًا في التعامل معك مع أنه من المفترض أن تكون كل شيء بالنسبة لي، لكن كل ما فعلته أنك جعلتني خالية ومقيدة في تصرفاتي، لقد أصبحت بائسة بسببك! نظرت إليه بحدة وأبعدت يده قائلة:
- لذا لا تضيع وقتي الذي لا أملكه، لا تحاول إقناعي بأنها طريقتك لحمايتي!
نزل كل كلامها كالجبل في قلب وعقل شقيقها أيمن، قال بشيء من الحزن:
- لقد اعتذرت عن طيش مراهقتي كثيرًا، لقد قلتي أنك سامحتني وبدأنا صفحة جديدة، لماذا تذكرين هذا الآن!؟
إضطربت آمندا قليلاً وذمت شفتيها ولمع غشاء دامع في عينيها، لاحظه لؤي الذي وضع يده على صدره ليخفي ضوء قلادته، تابع أيمن:
- يمكننا أن نتحدث عن كل شيء أزعجك وسبب لك الحزن وكل المرات التي أغضبتكِ فيها، سنتحدث كثيرًا بعد عودتنا!
أخفضت آمندا رأسها وقالت بينما كورت قبضتها:
- يمكننا أن نتحدث عن كل المرات التي ظهرت فيها في الوقت المحدد ولكن سيكون فمي مغلقاً لأنك لم تفعل ذلك أبداً. صمت أيمن يحدق فيها، فتابعت قائلة: لم أفهم مشاعري وعلاقتي مع صديقاتي سابقاً، لذلك قمت بتجاهلهم جميعاً من أجلك عندما نصحتني بذلك لأني كنت مجرد طفلة!، كانت حججك دائماً بقولك أني لا أحسن فهم وتقدير الأوضاع، لم تسمح لي بخوض التجارب كيف سأتعلم!، كيف أمكنك أن تكون بهذه الأنانية!
أجابها أيمن:
- آمندا!، أنتِ غاضبة وأقدر مشاعرك وكلماتك وأعذرك عليها، فقط إهدئي أختي!
ردت آمندا قائلة:
- من فضلك دعني وشأني!
= آمندا!
- دعني وشأني يا أيمن!
إستدارت فقبض ذراعها مما رفع كمها ليبرز الحرق في معصمها، تفاجأ وأمسك يدها بكلتا يديه من هول الصدمة، سألها بصوت مرتعش عن سببه، لم تجبه، فصرخ لؤي به أن يبتعد بينما ركض تجاهه، ليتفاجأ بركلة قدمت من أعلى تجنبها في آخر لحظة، كان الشبح الذي أبقى آمندا خلفه، فسألها دون أن يلتفت إليها:
- يبدو أنه مزعج، هل أقتله؟
أجابته آمندا:
- لا تقتل أحداً!
توجه الشبح لأيمن بلمح البصر مسدداً لكمة في لحظة شردوه، صدها لؤي فتراجع الشبح قافزاً للوراء متخذاً وضعية دفاعية، بينما أوشكت آمندا على الدخول، أراد أيمن اللحاق بها ولكن الشبح كان له بالمرصاد وركله بعيداً، استغل لؤي لحظة غفلة الشبح وذهب لآمندا يستوقفها قائلاً:
- شعورك الحقيقي الذي تخبئيه بغير قصد!، حتى لو كنت تتظاهرين بعدم وجوده، تأكدي بأنه هناك، لذا توقفي عن تجاهله!
نظرت إليه بعينين ميتتين ودخلت لتغلق الباب ورائها.
ذهب الشبح بمجرد رحيل آمندا، وقال قبل رحيله لأيمن:
- سأقاتلك عندما تكون في أفضل حالاتك، وليس مريضًا!
كان وجه أيمن شاحبًا والمرض باد عليه، أصابته نوبة سعال حادة فغطاه لؤي بمعطفه، عاد الحارسان لموقعهما ينظران إليهما باحتقار، جلس أيمن على الأرض بلا حيلة ولا قوة يقبض على التراب أسفله بقوة، حتى رأى لؤي قطرات دموع تبلل التراب تحته، نظرت زينب إليهما وضعت قبعة أيمن التي اخذتها سابقاً على رأسه ثم قالت:
- سنعود مرة أخرى من أجلها، هيا بنا!
أنت تقرأ
رحلة أحد عشر خريفاً
Fantasyانظر إلى السماء الغائمة وحيدة في ليل ساطع بسناء القمر، لم يتواجد سوى رجل غريب ذو عينين حمراوين ينظر إلي، تأتي الغيوم لتواري سناء القمر فتسطع عيناه الناريتين وسط الظلام، أزحف راكضة بين الزهور محاولة الهروب منه، كان سريعًا للغاية ويستطيع الإمساك بي في...