"قرية المتاهة المغلقة"

6 2 4
                                    

بينما كانت آمندا تواجه غرابة أودين والآخرين، كان لؤي يواجه أغرب الأشياء فهماً في قرية المتاهة المغلقة، عندما بدأوا رحلتهم عكس مخططات أودين، حيث ذهبوا إلى الغرب ويخططون بعدها للمضي إلى الجنوب والوسط حيث تقبع كل المشاكل هناك.
في فجر أحد الأيام عند اختلاط الهواء بالثلج، وقف عند الشرفة يستشعر جماليات المشاعر الهادئة النائمة بعمق، حتى قاطعه أيمن الذي ظهر من خلفه وأراد دفعه، فتجنبه لؤي بخفة حيث تعثر أيمن وكاد يسقط من الشرفة، ضحك عليه لؤي، فضحك أيمن هو الآخر، ثم قال:
- لقد ارتفعت حواسك أكثر عن المعتاد يا رفيق.
ابتسم لؤي بلطف وقال:
- هذا بفضل تدريباتنا
أسند أيمن يده عليه وقال:
- هل اكتشفت أمر استطاعة استخدامك قدراتنا بينما نعجز نحن عن تبادلها؟
هز رأسه نافياً ثم قال:
- لست واثقًا، ربما بسبب قدرتي أستطيع فهم طريقة عمل قدراتكم، ولكن الشرح صعب ناهيك عن التطبيق!
نظر إليه أيمن مطولًا، ثم دخل ينفخ يداه من البرد، وحثه على الدخول، أغلق لؤي باب الشرفة ورائه، واستعد للإفطار، كانت زينب تنتظرهم عند الطاولة وتجلس قربها فتاة تعرفوا عليها مؤخرًا، كانوا قد ساعدوها فاستضافتهم في المنزل تدعى "خزامي" وقد علمت بأمر قلائدهم الشيء الذي جعلهم مرتاحين في الحديث عنها دون الحاجة لإخفائها، وبعد الإفطار وضع أيمن الخريطة على الطاولة وصار يحدد المناطق الخمسة التي يختلف زمنها عن المناطق الأخرى، وخمنوا أنها تتوافق مع زمن عالمهم، فقال أيمن يشير لقرية النسيان بعصا صغيرة ويقول "هذه في إمبراطوية اللافا" ثم إلى منطقة أخرى تقطن في الشرق "وهذه قرية نوميك" أشار مجدداً لمنطقة أخرى "إنها أرض الصقيع التي تقع في جزء بعيد من القسم الثاني في مملكة الجنوب" ثم أشار إلى بقعة مظللة في مملكة الغرب التي يقطنون بها حالياً "تسمى هذه القرية بالمتاهة المغلقة، لأن لا سبيل لدخول أو خروج أحد، لا فكرة لدي عن ما سيحدث لو دخلها غريب، وهي وجهتنا القادمة"، ثم وضع العصا أخيرًا في منطقة وسط الخريطة وقال بكل جدية "إنها بداية كل شيء، أصل المشاكل ووجع الرأس، لا أعلم اسمها لذلك سأختاره من عندي، رأس الثعبان هذا هو اسمها، وستكون آخر وجهتنا!"
فأردف لؤي:
- ولكن... أنت تعلم بأننا إذا قضينا أيام في تلك المناطق، ستكون سنوات، هل سنترك آمندا ونمضي دونها؟!
جلس أيمن وسكب ماء في الكوب، وشربه، زفر وقال:
- ليس لدينا خيار.. تمتلك قوة كبيرة كما أنها صاحبة الختم لا خوف عليها
ابتسم لؤي عندما رأى الثقة في عيني أيمن، فقالت زينب بضجر:
- تباً!.. أريد العودة لأمي، إنجرف كل شيء إلى هاوية الشر والخطر!
فقالت لها خزامي:
- هل تندمين الآن!؟
طالعتها زينب وقد نفخت خديها ثم قالت:
- لن أشاجر أبي وأخي مرة ثانية، لا شك أنهم ظنوا بأنني هربت من المنزل بسبب ذلك!
فقال أيمن:
- الأمر أصعب من ناحيتي.. فلطالما كنت أهددهم بالسفر مع آمندا بعيداً
فأردف لؤي:
- يشغل بالي منزلي الذي لم أغلقه.. أخشى أن تسرق تلك الفتاة كتب المانجا خاصيتي!
ضحك أيمن وزينب بشدة ثم قالا بنفس الوقت:
- من سيسرق مجلة!
فابتسم لؤي وقال:
- صدقتم!، أرجو أن يكون كل شيء بخير إلى أن نعود سالمين!
نهضت خزامي وقالت:
- هل تسمحون لي بالانضمام إلى رحلتكم هذه؟
نظر إليها لؤي وأيمن بخيبة يفكران بنفس الشيء "لا تظني بأنك ستشغلين مكان آمندا!"، فقال أيمن:
- آسف!.. سيكون الوضع خطيراً ولا أضمن سلامتك!
فقالت:
- لا بأس.. أستطيع أن أغامر بنفسي لا تقلقوا علي!
فهمس أيمن في نفسه "غبية!.. أنا أقصد بأنك عائق ولا أريد مرافقتك لنا"، فقال لها لؤي وقد أدرك ما بداخل أيمن:
- سنشعر بالسوء إذا ما أصابك مكروه!
فقالت وقد أظهرت من العزم والإلحاح ما يبلغ الجبال:
- سأطبخ وأغسل وأقوم بكل الترتيبات والمستلزمات التي تحتاجون إليها.. إسمحوا لي بالذهاب معكم رجاءً
همس أيمن في نفسه "لا أهتم لهذا، أستطيع القيام بكل ذلك وحدي!" فرد عليها لؤي بعد أن لاحظ ضيق صديقه:
- سيكون هذا مروع!، كما لو أننا نستغلك، وهذا ليس من شيمنا!
فلمعت في عينيها دمعة، فهمس أيمن للؤي بخفوت:
- تريد استخدام ورقتها الرابحة، لا تنخدع بها
نظر لؤي بملل إلى أيمن الذي بدا أنه من تأثر بها، فقد ذكرته بأخته آمندا عندما لم يسمح لها بالذهاب معهم رغم إلحاحها الشديد، فقال لخزامي:
- حقاً نحن آسفان!، لا نريد إقحامك في هذا!
فقالت زينب توجه كلامها لرفيقيها:
- أنتما لا تفهمان أبداً!، تريد خزامي الذهاب معنا لأن لا ملجأ لها غيرنا!
فقال لؤي باستغراب:
- وهذا المنزل؟
ردت زينب:
- أنسيت أمر تلك العصابة التي تسعى للانتقام منها، لا شك أنهم ينتظرون على أحر من الجمر ذهابنا لينالوا منها!
فتح أيمن فاه كشخص فاتت عليه هذه المعلومة، فأومأ برأسه ببطء كأنه يشرح لنفسه الأحداث، ثم قال:
- إذاً تلك العصابة تريد النيل منك لأن والدك يدين لهم بمبلغ من المال.
هزت رأسها نافية وقالت:
- لقد سدّ أبي المبلغ، ولكنهم يريدون الاحتيال علي بادعائهم أن أبي لم يرد المال قبل وفاته!
فقالت زينب:
- حسناً!.. خزامي ستذهب معنا، انتهى النقاش!
قالت هذا وهمت بالمغادرة، فقال أيمن:
- تريد رفيقة لا غير، توافقني لؤي؟
نكزه لؤي بقدمه ليصمت، بعد أن شعر بحزن خزامي، فصحح أيمن القول:
- إنها لا تطيقنا، من الجيد وجود رفيقة بجانبها!
ثم التفت إليها وتابع:
- شكرًا لقدومك معنا، لستِ مضطرة لغسل ملابسنا والطبخ وخدمتنا مقابل...
فأطلق لؤي صوتًا وكأنه معترضٌ على كلام أيمن، فقالت خزامي تضحك:
- يبدو أن أحدهم أعجبته الصفقة!
فقال وهو يدير رأسه:
- ليس كذلك!، فقط سيقع كل شيء علي إذا ما انسحبتي من الأمر
فابتسمت وقالت:
- سأحرص على الاعتناء بهم وحمل بعض الأعباء عنك
أمتن لكلامها وشكرها، وعند استئذانها للذهاب، همس داخل نفسه "إنها لطيفة كآمندا" هز رأسه وكأنه يلقي الفكرة وقال لأيمن:
- لا تعتقد أن هناك أحد سيحل مكانها.
جلس أيمن جواره، وقال:
- أنت تفكر كما أفكر تماماً، يغيظني أن أراها تجلس مكان آمندا على طاولة الطعام. ضحك لؤي بفتور، ثم قال:
- أوافقك الرأي.
شرد أيمن للحظات ثم التفت إليه قائلاً:
- أكنت تقصد آمندا؟
همس لؤي لنفسه "ها قد بدأنا!"، أردف أيمن:
- من كنت تقصد؟، لم تكن آمندا صحيح؟ ما طبيعة نظرتك إليها؟ أخبرني!
ابتسم لؤي وقد أصبح معتاداً على انفصام حديث أيمن المتعلق بآمندا، وأصبح أكثر قدرة على إخباره بالأمور التي يريد سماعها، فقال له:
- إنها أختك بالطبع!، ويغيظني من يحاول احتلال مكانها، فالأشياء التي تزعجك تزعجني أيضاً، لأنك صديقي!
في ظهر ذلك اليوم بدأت رحلتهم إلى قرية المتاهة، وعند اقترابهم من حدودها، كانت مغلفة بالضباب كقرية النسيان، ويحيطها سور من الحجارة الصلبة، حاولوا العثور على باب ذلك السور، وعند طوافهم له استغرق الأمر يومًا كاملًا ولم يعثروا عليه، فقرروا تسلقه ولكن صعب عليهم الأمر بسبب نعومة الصخور التي كانت ملساء وندية بسبب الضباب، فأغمض لؤي عينيه ليستشعر أحدًا جوار السور، ضم إصبعي السبابة والوسطى وكأنه يحرك شيئًا ظل رفاقه يترقبون ما سيحدث، كان لؤي يوجه مشاعر أحدهم لتقترب إلى الشك، فصعد أحد إلى السور يتفقد الأمر كما اراد لؤي، وفي هذه الأثناء قام أيمن بلف الحبل حول جسده وسحبه إلى الخارج، ليكون أسيرهم الأول وليس الأخير، فقد أمسكوا بخمسة أفراد بعده، كانوا خائفين منهم وكأنهم وحوش برية، فقال لهم أيمن:
- لا تجذعوا لن نقوم بأكلكم، فقط أخبرونا كيف نشأت قريتكم؟
أجاب أحدهم بخوف:
- كيف لنا أن نعلم.. ثم إنها معلومات بالغة الأهمية والسرية عند كبار قريتنا وحسب، والشباب أمثالنا لا يسمح لهم بالإطلاع عليها!
حك أيمن أرنبة أنفه،ثم قال:
- إذاً عليكم أن تأخذونا إلى كبيركم!
وقفت زينب وخزامي يترقبان جوابهم، فقال لؤي مضيفاً:
- كأننا أحد الغرباء الذين حاولوا اقتحام القرية وتم الإمساك بنا
فتابع أيمن مبتسماً:
- قيدونا!.. وسنذهب معكم مباشرة دون مقاومة
طالع الشباب بعضهم وقالوا بأنهم موافقين، فقد كانت فرصة لهم للحصول على المال مع كل غريب يمسكون به، بعد تقييدهم بالحبال، ضمدوا أعينهم قائلين أنهم لن يستطيعوا الكشف عن مدخلهم للقرية، ثم أخذوهم لنقطة معينة حيث داس أحدهم على الأرض وحجر في الحائط بآن واحد وتراجع لتهتز الأرض وتبتعد الصخور عن بعضها، ظهر باب حديدي من خلفه، وقام أحدهم بفتحه بتحريك العجلة المتوسطة له، فأحدثت صريراً مزعجاً توحي بعدم استخدامها منذ وقت طويل، رأت كل ذلك زينب التي أحدثت ثقب صغير في ضماد عينها بشرارة من نيرانها، وثبوا إلى الداخل بهدوء فأرادت     الإلتفات لترى طريقة إغلاقه ولكنهم تحركوا وتركوا أحدهم يقوم بذلك مما فوت عليها الفرصة، كانت المباني مبنية جميعها بالحجارة الملساء كسورهم، مما جعلها متشابهة لحد عدم التمييز بينها والطرقات ضيقة ومتشعبة أشبه بالمتاهة كما يسمونها، وحين وصلوا إلى منزل لم يكن يختلف كثيرًا عن البقية سوى بالحجم الكبير، كان منزل سيدهم وكبير قريتهم، السيد "صحار" الذي كان لطيفًا على غير ما توقعوا وجاوب على معظم أسئلتهم التي لا تختلف كثيرًا عن إجابات سيد مذنب، إلا في شيء واحد، فقد قال أن من أحدث الفجوة صبي صغير لا يتجاوز العشر سنوات، رضوا بهذه الإجابات ثم أضافوا سؤالًا آخر:
- لم هذه القرية منفصلة عن المملكة؟
كانت الإجابة لا تختلف كثيرًا عن ما حدث في قرية النسيان، إلا أن هذه القرية أقامت سورًا ومتاهة لا يعلم بها غير سكانها، فقد فضلوا عزل أنفسهم قبل أن يرفضهم العالم بقسوة، ووضعوا حدودًا وعلاقة واضحة تختصر على التجارة المتبادلة بينهم، كان سيد صحار شخص صارم، لا يتراجع في كلامه، يتمتع بقدر عالٍ من النفوذ والقوة، فقد أقنع أيمن والآخرين بالبقاء رغم علمهم أنها ستمضي أشهر وربما سنوات كلما طال بقاؤهم، ووعدهم أنه سيطلعهم على معلومة غاية الأهمية، فاسترخى رفاقنا لبقية اليوم، وفي الصباح التالي ذهبوا ليسمعوا تلك المعلومة، أحضر سيد صحار لفافة ورقية مطرزة بقماش وضعها جانبه، وقال:
- أتعلمون كم عدد المفاتيح الجامدة، وكيف اختفت وتقلص عددها؟
أجابه لؤي:
- ستة عشر مفتاحًا
داعب سيد صحار لحيته وقال:
- نعم!، في بداية ظهورها، كان مجموعة من الفتيان يتشاجرون فتأمر أحدهم مع ساحر للنيل من أصدقائه بعد أن قتلوا قطة كان يعتني بها ويحبها كثيرًا، قتلهم بمجرد دخولهم لهذا العالم، عدا واحد سلمه المفتاح لينجوا بجلده متخليًا عن فكرة العودة لوطنه، وفي وقت ما فقد القلائد عندما أعطاها لأحد ليوصلها للمشعود الذي نصحه بها، إلا أن المشعوذ تخلى عنه، ويقال أنه قدم بنفسه إلى هنا، يأخذ الذهاب إلى عالمكم كامل قوة المفتاح، فيختفي بمجرد خروجكم من هنا، ولن تستطيعوا العودة أبداً سوى بحصولكم على مفتاح آخر، ولأن عدد المفاتيح محدود ستختفي ولن يصير هناك رابط بين العالمين، ويعود كل شيء لمساره الطبيعي!
نظروا إليه بتوجس مع القليل من الحيرة، فقالت زينب:
- أين توجد المفاتيح الآخرى، وهل نحن الوحيدون الذين قدموا إلى هنا؟
هز صحار رأسه نافياً ثم قال:
- لستم الوحيدون!، أخبروني كم عدد مفاتيحكم؟
أجابه أيمن:
- خمسة.. إلا أن صديقنا الخامس مفقود
قال صحار:
- حسناً أنتم خمسة!، وعدد المفاتيح ستة عشر، هناك أحد عشر مفتاح ، واحد استخدمته آنسة منذ وقت طويل وأخذت معها شاب، آوه! نسيت إخباركم شيء
حدق الجميع به بتركيز، فأردف:
- هل يمتلك أحدكم ختم المرور؟، إنه ختم يسمح لحامله بأخذ أشخاص يملكون مفاتيح دون ثمن، بمعنى آخر سيعبرون دون قربان، كما أنها ليست الميزة الوحيدة، يستطيع حامله أن يؤثر على أهل هذا العالم بطاقته أياً كانت، جيدة أم سيئة، ولكن عادة ما يكون صاحبه دائم النحس، لذلك يدعى بالختم المشؤوم، إلا أنه رغم ذلك يستطيع حامله إستخدام جميع القلائد إذا ما كانت تحت يده، لذلك يسعى الجميع ممن يعرفون قيمته الحصول عليه - صمت قليلاً ثم تابع - كانت تلك الفتاة تحمل ختماً مما سهل عليها أمر الخروج بسلام، فلحقها شاب كان مغرمًا بها إلى حيث ذهبت، فأدى لكسر القوانين لأول مرة، بإستطاعته الذهاب دون مفتاح، وهي من أخذت معها سبع مفاتيح، وتلاشى مفتاحها ثمن خروجها، يظل معنا ثمانية مفاتيح، أستطيع إستشعار الأشخاص الذين يحملون الختم وعدد المفاتيح، يوجد ختمان لا أستطيع الآن تحديد أماكنهما، يحمل أحدهما مفتاح والآخر كذلك، وهناك إثنان مختلفان يحمل كلاً منهما واحد، بينما أختفى وجود مفتاحين جراء ذهاب أحد حاملي الختم والعودة به مجددًا، يظل الباقي مفتاحين، أملك واحدًا، وهناك آخر لا ينتمي لأحد، لم يستخدم بعد!
إندهشوا من قول صحار أنه يمتلك مفتاحًا، فقال لهم وقد لاحظ ذهولهم:
- نعم!، لا تنسوا وجود مفتاح في عالمكم، وآخر لدى صديقكم، أريدكم أن تحرصوا على تدميرها لسد تلك الفجوات للأبد! أراد أيمن سؤاله لتأكد من قدرته، ولكن صحار تابع: أريد عيش حياتي هنا للأبد، وسأخبئ هذا المفتاح بعيدًا عن الأنظار
صمت لثواني ثم قال بنبرة حزينة:
- يقال أن من يدخل هنا يكون في عالمه... همس بكلمات صدمت الجميع، وأثارت عاصفة القلق بداخلهم فجعلتهم ينسون جميع الأسئلة التي يريدون   الاستفسار عنها، فطارت من أذهانهم للأبد!

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Oct 10 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

رحلة أحد عشر خريفاً حيث تعيش القصص. اكتشف الآن