جلبة شديدة تهز أرجاء القصر، وساوس وأقاويل تنتشر كالهواء لتصبح متنفسهم الملوث، طرق الملك بعصاه الأرض يأمرهم بالسكوت، نظروا إليه ولا تزال بعض الهمسات واضحة، فطرق مرة ثانية فانخفضت وتلاشت الأصوات تدريجاً، ليسيطر الصمت على المكان، حدقت تلك الوجوه المستفهمة بنفاد صبر تنتظر حديث ورأي الملك في تأخر صاحب القلنسوة الزرقاء عليهم في العودة من الشمال، إذ يميل أغلبهم إلى إصدار حكم الخيانة بفراره مع سلاح الإمبراطورية واحتمالية اتحاده مع مملكة الشمال، بعد مرور أربع سنوات على ذهابه، صمت الملك كثيراً ينظر ويقرأ تلك الوجوه الغاضبة التي تنتظر بفارغ الصبر إبعاد صاحب القلنسوة عن البلاط الملكي وها هي تجد الفرصة المناسبة للإطاحة به خائناً، فتحدث الملك قائلاً:
- أريد أن أسمع منكم
همسوا فيما بينهم حتى تقدم أحدهم وجثى على ركبة واحدة مسندًا يده عليها وقال بصوته الأجش:
- مولاي! لقد طال غيابه مرت أربع سنوات منذ مغادرته ولم يكلف نفسه إرسال برقية، أشك بأنه أعلن ولائه لملك مملكة الشمال وكان المسخ هو الهدية
نظر إليه الملك وقال:
- وجهة نظر جيدة.. من يريد أن يتحدث فليتقدم
تقدم رجلان ضخمان مفتولا العضلات، بشعر مجعد وبشرة سمراء ينظران أمامهما حتى جثيا على ركبتيهما كما فعل ذلك الأجش سابقًا، فتبعهما رجل ثالث وجثى هو الآخر على ركبته مسندًا يده عليها ينظر للأرض، فقال أحد الضخمين:
- مولاي.. لقد ساهم كثيرًا في بناء الإمبراطورية ورفعتها، لديه مكانة عالية عندك، إلا أن هذا جعله مغرورًا ومتغطرسًا يفعل ما يشاء دون استشارة أحدًا منا، مع خالص احترامي أطلب منك معاقبته بسبب إهماله واجباته وتكديس أعماله
حدق فيه الملك بخواء وقال:
- التالي..
تحدث الضخم الآخر قائلاً:
- مع كامل احترامي يا مولاي أطلب إرسال فرقة لتولي القبض عليه وتوقيع عقاب صارم، للتصرف دون إذن ملكي وبشيء لا يخدم الإمبراطورية
أضاق الملك عينيه وقال:
- التالي..
كان الرجل الثالث قصير القامة منفوش الشعر ذو وجه بيضاوي تكتسي خداه حمرة من أثر الثمل، فشهق حتى علم الجميع بثمله فصاروا يتهامسون:
- يأتي لاجتماع مهم كهذا ثملاً!
- إنه عند جلالته! .. ياللوقاحة!
- ألا يستحي من نفسه!
- هذا مشين!
- كيف سيتحدث هكذا!
- أمره عجيب!
- ماذا يظن نفسه!
تستمر الهمسات تصاعداً دون توقف حتى طرق الملك بعصاه وساد السكوت تانية، فقال بصوت عالي:
- إخرسوا! .. أسمعنا ما عندك
شهق الرجل وكان يتمتم بكلام قبل أن يقول:
- ذلك الرجل الذي يرتدي قلنسوة زرقاء.. ألا تحسدونه قليلاً وتتمنون ذهابه كثيراً.. تظنون بأن هذه هي الفرصة المناسبة لإخراجه من البلاط الملكي..
بدأت الهمسات مجدداً تستنكر قوله، فتابع الثمل قائلاً:
- حتى أنا أحسده قليلاً بامتلاكه كل ذلك النفوذ وقربه من ملكنا المبجل.. أتمنى لو كنت مكانه..
وقف وصار يتمايل، تقدم خطوات تجاه الملك فأوقفه حارسان برمحيهما، فقال بلجنة ضعيفة:
- رغم هذا.. لا يستوجب اتهامه بالخيانة.. لماذا لا ترسل له برقية تأمره بالعودة.. أم عندك سبب قوي يمنعك من هذا
أبتسم لتبرز أسنانه عن أخرها متابعاً:
- أم أنك تخفي أمراً خطيراً لا ترغب بمشاركته معنا
هنا أقطب الملك حاجباه وقال يأمر الحارسان:
- خذوه.. لقد أذهب النبيذ عقله!
أمسك الحارسان ذراعاه ومن دون مقاومة سار معهما إلا أنه كان يتثاقل في مشيه ينظر للأعلى قائلاً:
- أودين!.. أودين!.. إلى متى سأنتظر؟
أنت تقرأ
رحلة أحد عشر خريفاً
Fantasiانظر إلى السماء الغائمة وحيدة في ليل ساطع بسناء القمر، لم يتواجد سوى رجل غريب ذو عينين حمراوين ينظر إلي، تأتي الغيوم لتواري سناء القمر فتسطع عيناه الناريتين وسط الظلام، أزحف راكضة بين الزهور محاولة الهروب منه، كان سريعًا للغاية ويستطيع الإمساك بي في...