يركض بسرعة خاطفة وسط الضباب، ساعدته نباهته وقوة قلادته على تجاوزهم، وبعد ضياعه أكثر من مرة خرج من حدود القرية، ليتفاجأ بهطول الأمطار خارجها، نجحت بغسل وجهه بقية أحزانه، بحث عن لؤي حتى وجده، جلس قربه تحت الشجرة وقال:
- سار الأمر أفضل مما توقعت، تمكنتُ من خداعهم وتشتيت إنتباهم، لتخرجوا بهدوء دون إثارة ضجة!
قال لؤي:
- أشفق على ذاك الرجل العجوز فقد ضربتُه بينما أحضر لنا الماء
أجابه أيمن بإغتضاب:
- كانت فرصتنا الوحيدة للهروب، أتريد أن تضيعها!؟
أومأ لؤي برأسه نفياً وقال ينظر إلى المطر:
- لقد فعلتُها رغم ذلك، صمت قليلاً ثم تابع: تأخرنا كثيراً، لقد حل الخريف بالفعل!
أخذ أيمن نفسًا عميقًا وأخرجه ببطء، نهض وصار يطقطق عظامه، نظر إلى زينب التي تستند على الشجرة نائمة، وقال للؤي:
- سأسبقكما!
نظر لؤي إليه ثم إلى المطر الغزير وقال:
- انتظر حتى يتوقف المطر! ستصاب بالزكام!
تقدم أيمن تحت المطر والتفت إليه مبتسماً قبل أن تستحيل عينيه إلى الأزرق وينطلق بسرعة البرق، ابتسم لؤي بمرارة وقال يحدث نفسه "ليست في القرية.. أيمن!، سبق وأن شعرت بمنزل الخالة رزان، كان كئيباً يتحدث عن اختطاف آمندا".
سقطت قطرة مطر على خد زينب التي فتحت عينيها على صورة لؤي جالسًا يراقب المطر، فنهضت تفرك عينيها وتقترب منه قائلة بهدوء:
- هل هذا أنت، أمجد؟
حدق لؤي بها مستغربًا، وسرعان ما لاحظ قربها فانتفض مفزوعًا وهو يقول:
- متى استيقظتِ؟!
عادت زينب تسند رأسها إلى الشجرة وتحدق بالمطر بعمق، فسألها لؤي:
- ناديتني بأمجد؟
ابتسمت زينب بسخرية وقالت:
- تباً!، هذا بسبب المنوم لا تشغل بالك.
فقال لها لؤي وقد استحالت عيناه إلى اللون الأخضر:
- سأتحقق بنفسي!
ضحكت زينب ونظرت إليه لتتفاجأ بلون عيناه، فتمتمت بخفوت "عينان خضراوان!"، فقال لها:
- تتمحور قدرتي على معرفة خفايا البشر، أستطيع أن أعلم ما بداخلك بسهولة دون أن تنطقي بحرف ومهما كانت المسافة بيننا
أحمر وجه زينب فقال لها لؤي مبتسماً:
- شكراً لرؤيتي وسيماً
فتفاجأ بحقيبة قُذفت على وجهه، نظر إليها مستغربًا، فصرخت تقول له:
- لا تنظر من خلالي!
همس لؤي في نفسه "تشعر بالإحراج كأيمن تمامًا، غريبًا أمرهما يقولان الكلمات ذاتها أيضًا!"، نظرت إليه فإضطرب قلبه بعد أن رأى دموعها، فقال لنفسه"إهدأ يا لؤي إنها ليست مشاعرك!، إنها تخص زينب!، أي حنين ذاك الذي تشعر به تجاه أمجد"، أخرج قلادته ووضعها جانبًا لتعود عيناه طبيعيتان، فقالت زينب وهي ترتشف دموعها:
- لا تعتقد بأني أملك مشاعر لذلك الخائن.
أومأ برأسه وقال: "ينظر إلى الأرض ويحرك حجرًا:
- ولكنكِ تلومين نفسك وتشعرين بظلمك أكثر من كرهك له.
حدقت به، فقال بعينان مبتسمتان:
- شعرت بهذا وأنا أخرج القلادة، آسف!
تنهدت زينب وقالت وكأن الكلمات تخرج منها بصعوبة:
- لا أعلم إن كان خائناً!، الأمر الذي أزعجني، دخلت جميع حساباته وأخترقت حاسوبه، لم أعثر على دليل واحد يثبت ذلك، عندما أتذكر ذهابه دون قول شيء، يغيظني ذلك، كنت وقتها قد منحته خياران، الأول أن يبتعد بعد أن يعترف بخيانته التي لم يرتكبها، والثاني أن يبتعد دون تبرير شيء ويثبت بذلك أمر الخيانة، كنت قد سمعت من صديقتي بأنه يتحدث معها، لم أستمع له ولم أعطه فرصة للدفاع عن نفسه أيضاً، وعندما أصابني الفضول والضجر تعلمت إختراق الهواتف، وعلمت بإنتفاء خيانته لي، فأخترقت هاتف صديقتي، وجدتها تتحدث بإستمتاع مع رفيقتها بأمر إفساد علاقتي بأمجد، تحطمت كثيرًا وقتها، كرهت نفسي وصديقتي وأمجد الذي لم يحاول إصلاح الأمر وفضل الابتعاد عني، ليس من العدالة قول ذلك فقد ظلمته كثيرًا، أعتذرت له في إحدى المرات عبر حسابي على فيسبوك، ولكني لم أتلق ردًا على اعتذاري، فمسحته ولم أرد مراسلته مرة أخرى، وقتها سيطر علي شيطاني وظلت فكرة هجره عالقة في جمجمتي، أردت نسيانه ولكن لم ينجح الأمر، لا أعتقد أني أحبه، وحده الندم والمرارة وتأنيب الضمير هو ما يقتلني، بعدها كنت لا أطيق رؤية إثنين مقربين، حتى أتت إحداهن لتخبرني أنها تشك برفيقها الخيانة، كان شعوري بلذة الانتقام واضحاً وانا اساعدتها لتحقق من ذلك، حتى أصبحت جميع الفتيات يحببن إسلوبي في الإختراق، وكل من تراودها الشكوك تطلب مني ذلك فانا لا أترك أثراً ورائي، ظنني البعض عبقرية بينما عاتبني الآخرون على ذلك كثيراً، وفي مرحلة ما توقفت عن فعل ذلك كله، كان مملاً للغاية!
صمتت للحظات عندما تذكرت سامي وهو يقول لها "أن ترى قبح البشر باختيارك، أليس شيئاً مملاً؟" ثم تابعت:
- هذا كل شيء!، لا أعلم لماذا أخبرك بذلك!
أجابها لؤي:
- آسف لسماع ذلك..
ابتسمت زينب وحملت قلادته تتفحصها، فقالت:
- لا أذكر ما قاله الأصلع جيداً ولكني سمعت شيء عن وجود جوهرة شفافة، مالي لا أستطيع لمسها؟
أجابها لؤي:
- إن كانت لا ترى بالعين المجردة، فهي أصغر من أن تلمسيها، وربما ليس لها كيان، من يدري!
ناولته إياه، وقالت:
- يستحسن عدم إخراجها كهذا!
وافقها لؤي الرأي، وأعادها لعنقه مجددًا وخبأها تحت ملابسه، نظر إلى المطر الذي خف هطوله، فسألته زينب عن أيمن وكيف هربوا من القرية، بعد سرد لؤي لها جل ما حدث معهم، توقف المطر أخيرًا، وقررا اللحاق بأيمن.
في منزل الخالة رزان عندما وصلها أيمن، كان مبتلاً للغاية، لم يرد أن يجفف نفسه قبل رؤية أخته آمندا، التي اختفت أشهر منذ اختطافها دون معلومة عنها، استقبله فؤاد على السرير بعد أن كُسرت بعض ضلوع قفصه الصدري وكان العلاج بطيئاً مما جعله طريح الفراش إلى اليوم، كانت رؤيته لفؤاد كافية بجعله يعلم المصيبة التي حلت منذ تركهم، استهل فؤاد حديثه وهو يمد صفائح المعدن الرقيقة الموصلة بحلقة النحاس، قائلاً:
- أنظر!، لقد وضعت العلامات التي علمتني إياها بعد كل ليلة، وتلك العلامة الدائرية منذ أخذ آمندا بواسطة الحرس الملكي!
ظل أيمن يلمس ويمرر إصبعه على الصفائح قبل أن تظهر الدهشة على محياه ويقول متمتماً " قرابة الخمسة أشهر!، ياإلهي ما الذي فعلته بأختي! "، نظر إلى فؤاد وسأله عن موقع القصر، فقال له فؤاد:
- لا تتعجل!، وبدل ملابسك أولاً
نظر إلى الخالة رزان وهي تمد له منشفة وملابسه التي قدم بها، فقالت بصوت هادئ:
- آسفة على ما حدث، أرجو أن لا يصيبها مكروه!!
عند وصول لؤي وزينب المنزل، كان أيمن متخشبًا على الكرسي ينظر بعيدًا في اللاشيء، انضموا إليه بعد تبديل ملابسهم، جلسوا يستمعون بكل تركيز للخالة رزان وهي تحكي كل شاردة وواردة منذ سفرهم لقرية النسيان.
أنت تقرأ
رحلة أحد عشر خريفاً
Fantasyانظر إلى السماء الغائمة وحيدة في ليل ساطع بسناء القمر، لم يتواجد سوى رجل غريب ذو عينين حمراوين ينظر إلي، تأتي الغيوم لتواري سناء القمر فتسطع عيناه الناريتين وسط الظلام، أزحف راكضة بين الزهور محاولة الهروب منه، كان سريعًا للغاية ويستطيع الإمساك بي في...