في مكان ما..
صفوف طويلة ومنتظمة، تقف تحت شمس ملتهبة ودائقها تحرق الطيور والغابات، يقفون بلا حراك كتماثيل شمعًا زائبة، في ساحة كبيرة أمام قصرٍ ضخم محاط بأسوار شائكة، تتوسطها بوابة عملاقة، أطل من خلفها رجل عجوز ذو لحية بيضاء، ضيق العينين، طويل القامة، مرتكزًا على عصا بيده اليسرى، رفع العجوز العصا وضربها بقوة على الأرض لتحدث اهتزازًا عنيفًا، تحلق فيها الطيور خوفًا وهلعًا مبتعدة عن المكان، فُتحت البوابة بصرير مزعج تسد له الآذان وتصطك به الأسنان، وقف الرجل العجوز جانبًا وحدق في الصفوف العظيمة التي دلفت إلى القصر بانتظام شديد، ظلت تتابع إلى أن وصلت بوابة القصر الوسطى وألقت التحية بحركة سريعة ومنتظمة بداية من أول فرد إلى آخر فرد من الصفوف، حين وقف أمامهم شخص يرتدي قلنسوة زرقاء لا يظهر منه سوى ثقره، صرخ بصوت عالي محدثاً صدى قوياً في أرجاء القصر قائلاً:
- اليوم يومكم يا قوم، إن لم تغيروا التاريخ اليوم لن تغيروه أبداً، تخلصوا من ذلك المسخ القابع خلف تلك الجبال واحضروا رأسه بأية ثمن، لا تتخاذلوا، أو تتهاونوا، وتذكروا العهد الذي بيننا إذا ما قتلتموه.
صرخ كل الجنود حماساً وأردف أحدهم قائلاً:
- الموت للمسخ!، الموت للشبح!
تعالت صرخاتهم مرددة وراءه "الموت للمسخ! .. الموت للشبح!" تقدم أحدهم بخطوات ثابتة نحو صاحب القلنسوة الزرقاء. إستوقفه صاحب القلنسوة قائلاً:
- توقف مكانك، لم أمرك بالتقدم!
تقدم الرجل غير مبالي لأوامره، حتى صار بينهما خطوة واحدة، وفجأة سقط صاحب القلنسوة الزرقاء. صار الجنود يتهامسون ويحدثون جلبة، إلى أن شاهدوا دماء صاحب القلنسوة تسيل على الأرض. أستل كل جندي سيفه ومنهم من وجهه تجاه الرجل الذي أردى حليفهم مقتولاً. نزع الرجل الدرع من جسده وخلع الخوذة التي تدلى منها شعر أشقر أغبر، حينها تراجع كل الجنود خطوة إلى الوراء. نظر لهم الرجل بعينيه العسليتين التي تشع كرهاً وحقداً شديدين، تقشعر له الأبدان، حينها أدرك الحاضرين أنه الرجل الممسوخ، صارت أياديهم ترتجف من قوة النظرة التي دست الرعب في قلوبهم، التصقت أقدامهم بالأرض، ولا ترى سوى الخوف الذي يطل من أعينهم، فصرخ أحدهم مذكراً الآخرين بأهمية الاتفاق وواجبهم الذي يقضي بالقضاء على هذا المسخ، فهاجم عشرات الجنود عليه دفعة واحدة، قبل أن يصلوا إليه ضرب بقدمه الأرض فانشقت وابتلعتهم في جوفها، سكن الجنود ليستوعبوا اللحظة، لكن الشبح لم يسمح لهم بهذا، وشق صفوفهم يضرب أعناقهم برمحه، فتساقطت واحدة تلو الأخرى، تعالت صرخات الجنود وهم يقاتلون زاهدين من الحياة ومن الفوز، بالرغم من أعدادهم الكبيرة، استمر الشبح بتقطيعهم حتى وقف أمام فتى عشريني، كان يجثو على ركبتيه والدموع تملأ عيناه خوفًا من بطشه، تمتم قائلاً:
- أرجوك، لدي أسرة أعيلها فأنا أكبر إخوتي.. اصفح عن حياتي رجاء!
نظر إليه المسخ ووجهه الرمح نحو عنقه وقال:
- لماذا لم تفكر بهذه الطريقة عندما قررت قتلي، ألم تفكر في نفسك أو عائلتك عندما قبلت هذه المهمة الخطيرة، اهتممت بالمكافأة ولم تحسب ثمن إخفاقها، هذا ثمن أنانيتك، رفع رمحه وشطره نصفين.
بعد دقائق كان قد قتل كل الجنود ولم يبق أحد على قيد الحياة، كان مغموراً بالدماء من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، يمشي بين الجثث والأطراف المقطوعة في كل مكان، تحولت ساحة القصر إلى مجزرة دامية لا يرى فيها سوى اللون الأحمر الذي لطخ كل شبر على الأرض، توقف الشبح عند سماع أحدهم يقول:
- يا لك من لئيم، ما كان عليك قتل ذلك الشاب، ترجاك وأخبرك أنه أكبر إخوته وأنه المعيل الوحيد لعائلته، ألم يرق قلبك له ولو قليلاً؟
رد الشبح قائلاً:
- لا يحق لك الكلام وأنت السبب في قتله والسبب في هذه المذبحة الكبيرة
ضحك قائلاً:
- لزم الأمر، لبناء إمبراطورية جديدة ذات سلاح فذ، ويجب اختبار ذلك السلاح وولائه، كما أنه أمر ممتع بالنسبة لك، أليس كذلك؟
رد الشبح قائلا:
- سيكون أكثر متعة لو مت في تلك اللحظة.
كان هذا صاحب القلنسوة الزرقاء الذي دبر هذه المؤامرة، كانت الخطة أن يتسلل الشبح بين صفوف الجنود وينتظر الإشارة آلا وهي صراخ الجنود الحماسي، ليتقدم ويوهم الحضور بأنه قتله، لتبدأ المعركة الخاسرة.
ضرب العجوز الأرض محدثا اهتزازا، ففتح الباب الأوسط للقصر ودخل صاحب القلنسوة الزرقاء القصر وتبعه الشبح، ضرب العجوز الأرض للمرة الثانية فأنغلقت البوابة العملاقة محدثة صريرا مزعجا.
أنت تقرأ
رحلة أحد عشر خريفاً
Fantasyانظر إلى السماء الغائمة وحيدة في ليل ساطع بسناء القمر، لم يتواجد سوى رجل غريب ذو عينين حمراوين ينظر إلي، تأتي الغيوم لتواري سناء القمر فتسطع عيناه الناريتين وسط الظلام، أزحف راكضة بين الزهور محاولة الهروب منه، كان سريعًا للغاية ويستطيع الإمساك بي في...