"عبير الصباح المنعش، رائحة الريحان، اختلاط روائح الطعام، أصوات الأطفال وهم يلعبون، أشياء لطيفة لم يكن يستشعرها أبدًا.."
***
في سقيفة منزل خشبي، كان مستلقيًا على ظهره ينظر إلى قطعة ذهبية لامعة، بعينيه الباهتتين، والرياح تعبث بشعره الأشقر، قذف القطعة الذهبية في الهواء، ولحين هبوطها على يده اعتدل في جلسته ونصب ركبته اليمنى والتقطها، ظل يقلبها في يده حتى جاء صوت يناديه قائلاً:
- أنزل من عندك، الملك يستدعيك.
دَسَّ قطعة الذهب في ملابسه وقفز من السقف، لينثر الغبار في الأرجاء، عطس الجندي بسبب ذرات الغبار التي علقت في أنفه وقال في حنق:
- لماذا لا يأمرون بقتله!
أجابه الآخر قائلاً:
- أنا جاهز للمهمة..
قال الجندي في نفسه: "أنا أقصدك أنت أيها المسخ الأحمق" ثم قال بصوت مرتفع: الملك من سيأمرك أتبعني سأخذك إليه.
ذهبا في طريقهما، وعند مرورهما بالقرى، كان سكانها يغلقون الأبواب والنوافذ، ويذهب آخرون للاختباء خلف الجدران، ونظرات الكراهية تشع من أعينهم، قال الجندي الذي كان برفقة الشبح منزعجًا:
- تباً، أشعر أنني منبوذ مثلك.
لم يهتم الشبح لقوله وتابع مسيره في صمت، حتى قُذف حجر ناحيته، فأمسكه بيده قبل أن يصيب رأسه، نظر تجاه مصدره، كان صبي في العاشرة من عمره، يمسك حفنة من الحجارة الصغيرة، ويرمي بها ناحيته بعد أن أخطأ في كل الرميات من شدة ارتجافه، فصرخ من بطنه قائلاً:
- تباً لك، ليتك تموت!
اتجه الشبح ناحية الصبي، فحاول الجندي إيقافه بالقبض على كتفه، ولكن سرعان ما وجد الجندي يده مرمية على الأرض، فصرخ وأصبح يتلوى ألماً، انقبض صدر الصبي بعد رؤية سرعة إخراج الشبح خنجره من تحت ملابسه وقطع يد الجندي كما لو أنها غصن، فأخرج الصبي سيفاً قصيراً، ووجهه ناحية الشبح، أدخل الشبح خنجره تحت ملابسه بعد أن مسح عنه الدم، صرخ الصبي بنبرة خائفة قائلاً:
- لا تدخل سلاحك.. قاتلني كما الرجال.
نظر له الشبح نظرة باهتة وقال:
- لست بحاجة له لأقتلك، أنت كالبعوضة!.. سأسحقك بيدي.
أرعبت نظرات الشبح الصبي، وعندما أصبحت المسافة بينهما خطوات، اندفع الصبي لمهاجمته، فأوقف الشبح ضربة السيف بإصبعيه السبابة والإبهام، لم يتزحزح السيف من بين إصبعيه رغم محاولة الصبي بأقصى طاقته سحبه منه، وفجأة أفلت الشبح السيف، فوقع الصبي على الأرض وخدش سيفه وجهه جراء السقوط، وضع الصبي يده على خده الذي جُرح وصار يبكي، تقدم الشبح ناحيته، ليجثو أمامه بركبة واحدة، ويضع إصبعيه السبابة والإبهام على عرض جبهته، حدق في عينيه ملياً قبل أن يقول:
- كُنتَ شجاعًا يا فتى، لذلك سأمنحك فرصة للنجاة، وإذا رأيتك مرة أخرى فتأكد أني قاتلك لا محالة.
نهض وتابع المسير وحده إلى القصر، عند وصوله القصر كانت الدماء التي لطخت وجهه قد جفت، وعندما رأى صاحب القلنسوة الزرقاء الدماء وضع يده على رأسه، فأدرك الشبح ما يفكر فيه صاحبه فأردف قائلاً:
- لم أقتله، طهرتُ يده من الإثم فقط.
رد عليه صاحب القلنسوة باستهزاء قائلاً:
- ليس هناك آثم يفوقك قدرًا.
ناوله صاحب القلنسوة الزرقاء إناء به ماء ليغسل وجهه من الدم، فلم يأبه له الشبح وتابع طريقه إلى جلالة الملك، بعد أن قتل الحراس الذين يحرسون مجلسه، دلف إلى الملك بملابس غارقة في الدماء، ونظر إلى قرة عينه بشراسة دون الركوع الذي يعبر عن احترام الملك، أسرع صاحب القلنسوة الزرقاء بالدخول وركع تحية للملك ودون أن يرفع رأسه قال:
- مولاي، أستميحك عذرًا، فهو لا يعلم قدر جلالتك.
رد الملك قائلا:
- لقد أمرت بقتله، فما الذي أراه هنا!
أحنى رأسه وتحدث برسمية أكثر قائلا:
- مولاي، لم أستطع قتله كما ترى، لكني استطعت ضمه إلى قواتنا وسأشرف بنفسي على مراقبته، بعد إذنك مولاي.
زفر الملك وأردف قائلا:
- من اليوم فصاعداً أنت المسؤول عن كل تصرفاته، فأحسن ضبطه.
أجاب وهو لا يزال ينظر للأسفل:
- أمرك مولاي.
أمر الملك بإنصرافهما، فخرج وبعد إغلاقه الباب، ابتسم ابتسامة عريضة، أزالها بسرعة عند نظر الشبح إليه وتابع مسيره.
أنت تقرأ
رحلة أحد عشر خريفاً
Fantasyانظر إلى السماء الغائمة وحيدة في ليل ساطع بسناء القمر، لم يتواجد سوى رجل غريب ذو عينين حمراوين ينظر إلي، تأتي الغيوم لتواري سناء القمر فتسطع عيناه الناريتين وسط الظلام، أزحف راكضة بين الزهور محاولة الهروب منه، كان سريعًا للغاية ويستطيع الإمساك بي في...