"صدفة"

65 4 6
                                    

هل سيأتي اليوم الذي سأندم فيه على نقائي وحسن ظني؟
أجابني بحزم:
- نعم
فسألته:
- ولكن لماذا يشقى الإنسان بسبب نقائه؟
أجابني:
- لأن الحياة قاسية ولا تحتاج أن تكوني طيبة أو نقية
قلت:
- أجري عند الله
قال لي بهدوء:
- يمكن أن تكسبي الأجر دون أن تكسري قلبك بسبب طيبتك الساذجة
سألته:
- وكيف ذلك؟
قال:
- ابتعدي
= أبتعد؟
- نعم، ابتعدي بقدر الإمكان، ابتعدي مهما كلفك الأمر، ابتعدي حتى لو أساءوا فهمك، غضبوا، ذمجروا، في الابتعاد راحة، اجعلي دائمًا مساحة بينك وبين الآخرين ولا تتجاوزي الحدود وتتعمقي لأنك لو تعمقتي فلسوف تغرقي. طأطأتُ رأسي موافقة وقلت:
- حسنًا.. فلقد تعبت من سذاجتي.
= لا تقلقي، سيكون كل شيء بخير إذا ابتعدتي.
صمتُ هنيئة، وكان ينظر إليّ ليحصل على إجابة تطمئنه قبل أن يخرج من غرفتي، فقلت بابتسامة مزيفة:
- لا تقلق، أنا معتادة على هذا يا أخي لا عليك
ربت على رأسي معتذرًا وخرج من الغرفة، بقيتُ ساكنة لفترة وأنا لا أكاد أصدق ما أخبرني به "أيمن" قبل قليل عن طعن صديقاتي لي عندما أدرت ظهري عنهن، كيف لهذا أن يحدث ألسنا أصدقاء!، نأكل معًا، نضحك معًا، نسير معًا، نشاكس، نلعب، نخرج، ندخل، ندرس، كل ذلك نفعله معًا، وفي النهاية يُطعن ظهري، لم يخبرني أيمن عن التفاصيل، فقط قال أنه عندما كان مارًا جوارهن سمعهن وهن يتحدثن عني بسوء، لم يخبرني حتى ماذا قُلن عني، ونصحني بعدم مرافقتهن والابتعاد عنهن، لا أعتقد أنه أتخذ قرار أخباري ونصحي عبثًا، فهو يرى مصلحتي أهم من مشاعري التي ستزبل بعد معرفتي خبيئتهم وفضل معرفتي من خلاله على أن ينتظر اكتشافي للأمر، لا يرغب أن أكون مخدوعة من أناس كنت قد وضعت ثقتي فيهم، لهذا تعجل بإخباري،لكن أتعلم يا أخي قد ألمني هذا قليلاً، كنت أتوقع حدوث هذا لكن.. لم أتوقع حدوثه بهذه الوتيرة السريعة، الخيانة أمر عادي هذه الأيام ومفارقة صديق بسبب غيرة أو حسد أصبح شائعاً، وضعاف النفوس هم من يقعون ضحية تحت تأثيرهم، أشفق عليهم حقاً ربما أكتبهم في قائمتي لاحقاً. "وضعت قلمها في خدها وراحت تفكر في كيفية إدانتهم بتهمة الطعن التي وجهت إليهم من شقيقها أيمن وإصدار الحكم النهائي بشأنهم". عمل وكيل النيابة والقاضي في آن واحد أمراً صعب حتى على أفضل رجل قانون في العالم، لذلك لا يجوز لمن يحقق في أمر قضية ما أن يتولى الحكم فيها، ليس لصعوبتها، فقد تعمى بصيرته ولا يصدر الحكم بالشكل المطلوب. ضحكت بسخرية قائلة: منذ متى أعلم بشأن هذه الأمور!
كنت جالسة أفكر وأكتب مذكراتي التي عادة ما تؤنسني قبل نومي فهي تساعدني على ترتيب أفكاري ودراسة نفسي ومراقبتها وأيضاً تجعلني أنعم بنوم هادئ، فعندما أضع رأسي على التخت أكون قد أفرقت كل ما بحوذتي على دفتري ليطبق على الأفكار لحين استيقاظي في اليوم التالي بذهن صافي لا تشوبه شائبة، كنت مندمجة مع الكتابة إلى أن نامت أختي، فمع نومها ينقطع كل شيء، وأظل مركزة على شخيرها العالي المتواصل الذي ربما يوقظ الجيران، تنام عادة بعد انتهائها من تصفح مجلات الصحة العالمية، أظن أحياناً أنها خبيرة تغذية لكثرة قرائتها لهذا الصنف تحديداً من المجلات، ومع شخيرها أقول وداعاً للهدوء والتركيز، وأوقف أي شيء وأخلد إلى النوم بعد سدّ أذني بالسدادات حتى لا يقاطع شخير أختي العالي نومي الهانئ.

رحلة أحد عشر خريفاً حيث تعيش القصص. اكتشف الآن